تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ فَقَالَ: " يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ، دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١).
ثم قال ابن كثير : ولا تنافى بين هذا القول والذي قبله، بل في القول الثاني تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب، فلأن تكتب التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى.
هذا، وتلك الرواية الصحيحة تشير إلى أن هذه الآية ليست مدنية - كما قيل -، لأن هذه الرواية تصرح بأن الرسول - ﷺ - قد قال لبنى سلمة، « دياركم تكتب آثاركم » أى : ألزموا دياركم تكتب آثاركم.. دون إشارة إلى سبب النزول.
قال الآلوسى ما ملخصه : والأحاديث التي فيها أن اللّه - تعالى - أنزل هذه الآية، حين أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من ديارهم. معارضة بما في الصحيحين من أن النبي - ﷺ - قرأ لهم هذه الآية، ولم يذكر أنها نزلت فيهم، وقراءته - ﷺ - لا تنافى تقدم النزول. أى : أن الآية مكية كبقية السورة.
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد أثبتت صدق الرسول - ﷺ - فيما يبلغه عن ربه، وبينت الحكمة من رسالته، كما بينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه. " (٢)
وفي الظلال :
"هذا الكتاب مؤلف من جنس هذه الأحرف، وهي في متناول المخاطبين به من العرب. ولكنه - مع هذا - هو ذلك الكتاب المعجز، الذي لا يملكون أن يصوغوا من تلك الحروف مثله. الكتاب الذي يتحداهم مرة ومرة ومرة أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة من مثله فلا يملكون لهذا التحدي جوابا!
والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق اللّه جميعا. وهو مثل صنع اللّه في كل شيء وصنع الناس.. إن هذه التربة الأرضية مؤلفة من ذرات معلومة الصفات. فإذا
(٢) - التفسير الوسيط للقرآن الكريم لطنطاوي - (١٢ / ١٦) وتفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٥١
وتفسير الآلوسى ج ٢٢ ص ٢١٨.