وعدم إفصاح القرآن عنها دليل على أن تحديد اسمها أو موضعها لا يزيد شيئا في دلالة القصة وإيحائها.
ومن ثم أغفل التحديد، ومضى إلى صميم العبرة ولبابها. فهي قرية أرسل اللّه إليها رسولين. كما أرسل موسى وأخاه هارون - عليهما السّلام - إلى فرعون وملئه. فكذبهما أهل تلك القرية، فعززهما اللّه برسول ثالث يؤكد أنه وأنهما رسل من عند اللّه. وتقدموا ثلاثتهم بدعواهم ودعوتهم من جديد «فَقالُوا : إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ».. هنا اعتراض أهل القرية عليهم بالاعتراضات المكرورة في تاريخ الرسل والرسالات..«قالُوا : ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا».. «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ ءٍ».. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ».. وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. فقد كانوا يتوقعون دائما أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير.. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف لا تحيط به الأوهام والأساطير؟ كيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها؟! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلئ بها الأسواق والبيوت؟! وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. وليست في هذه الصورة الساذجة الطفولية. وإن هنالك لسرا هائلا ضخما، ولكنه يتمثل في الحقيقة البسيطة الواقعة. حقيقة إيداع إنسان من هؤلاء البشر الاستعداد اللدني الذي يتلقى به وحي السماء، حين يختاره اللّه لتلقي هذا الوحي العجيب. وهو أعجب من أن يكون الرسول ملكا كما كانوا يقترحون! والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي.
النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجا من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.
ومن ثم كانت حياة الرسول - ﷺ - معروضة لأنظار أمته. وسجل القرآن - كتاب اللّه الثابت - المعالم الرئيسية في هذه الحياة بأصغر تفصيلاتها وأحداثها،


الصفحة التالية
Icon