بوصفها تلك الصفحة المعروضة لأنظار أمته على مدار السنين والقرون. ومن هذه التفصيلات حياته المنزلية والشخصية. حتى خطرات قلبه سجلها القرآن في بعض الأحيان، لتطلع عليها الأجيال وترى فيها قلب ذلك النبي الإنسان.
ولكن هذه الحقيقة الواضحة القريبة هي التي ظلت موضع الاعتراض من بني الإنسان! ولقد قال أهل تلك القرية لرسلهم الثلاثة :«ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا».. وقصدوا أنكم لستم برسل.. «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ ءٍ».. مما تدعون أنه نزله عليكم من الوحي والأمر بأن تدعونا إليه. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ».. وتدعون أنكم مرسلون! وفي ثقة المطمئن إلى صدقه، العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل : قالُوا : رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ»..
إن اللّه يعلم. وهذا يكفي وإن وظيفة الرسل البلاغ. وقد أدوه. والناس بعد ذلك أحرار فيما يتخذون لأنفسهم من تصرف. وفيما يحملون في تصرفهم من أوزار. والأمر بين الرسل وبين الناس هو أمر ذلك التبليغ عن اللّه فمتى تحقق ذلك فالأمر كله بعد ذلك إلى اللّه.
ولكن المكذبين الضالين لا يأخذون الأمور هذا المأخذ الواضح السهل اليسير ولا يطيقون وجود الدعاة إلى الهدى فتأخذهم العزة بالإثم ويعمدون إلى الأسلوب الغليظ العنيف في مقاومة الحجة لأن الباطل ضيق الصدر عربيد :«قالُوا : إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ! لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ»
قالوا : إننا نتشاءم منكم ونتوقع الشر في دعوتكم فإن لم تنتهوا عنها فإننا لن نسكت عليكم، ولن ندعكم في دعوتكم :«لَنَرْجُمَنَّكُمْ، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ»..
وهكذا أسفر الباطل عن غشمه وأطلق على الهداة تهديده وبغى في وجه كلمة الحق الهادئة، وعربد في التعبير والتفكير! ولكن الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق :«قالُوا : طائِرُكُمْ مَعَكُمْ»


الصفحة التالية
Icon