أى : يا حسرة العباد منهم على أنفسهم، بسبب تكذيبهم لرسلهم، واستهزائهم بهم.
ثم وبخ - سبحانه - كفار مكة، بسبب عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ.
أى : ألم يعلم كفار مكة أننا أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة عليهم، بسبب إصرارهم على كفرهم، واستهزائهم برسلهم، وأن هؤلاء المهلكين لا يرجعون إليهم ليخبروهم بما جرى لهم، لأنهم لن يستطيعوا ذلك في الدنيا، لحكمة أرادها اللّه - تعالى -. ولكن الجميع سيعودون إليه - سبحانه - وسيبعثهم يوم القيامة من قبورهم للحساب والجزاء، كما قال - تعالى - : وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ. " (١)
وفي الظلال :
"فأما الطغيان فكان أهون على اللّه من أن يرسل عليه الملائكة لتدمره. فهو ضعيف ضعيف :«وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ. وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ. إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ»..
ولا يطيل هنا في وصف مصرع القوم، تهوينا لشأنهم، وتصغيرا لقدرهم. فما كانت إلا صيحة واحدة أخمدت أنفاسهم.. ويسدل الستار على مشهدهم البائس المهين الذليل!
بعد الحديث في الدرس الأول عن المشركين الذين واجهوا دعوة الإسلام بالتكذيب والمثل الذي ضربه لهم في قصة أصحاب القرية المكذبين وما انتهى إليه أمرهم «فَإِذا هُمْ خامِدُونَ».. يبدأ الحديث في هذا الدرس بالتعميم في موقف المكذبين بكل ملة ودين ويعرض صورة البشرية الضالة على مدار القرون، وينادي على العباد نداء الحسرة وهم لا يتعظون بمصارع الهالكين، الذين يذهبون أمامهم ولا يرجعون إلا يوم الدين :«وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ»..