فعلوه وتركوه، وهذا أيضا تعليم للمؤمنين وإرشاد لهم ليقولوا : سبحان اللّه معتقدين مصدقين بهذا التنزيه الإلهى.
سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض من النبات وغيره، مما عملته أيديهم، ومما لا يعلمون، فهو للّه سبحانه وتعالى نعم سبحانه خالق هذه الأصناف كلها مما لا يحيط به إلا هو فكل ما في الكون لا يعلمه إلا خالقه سبحانه وتعالى..
وهذا الليل وما فيه آية لهم لو كانوا يعقلون، فهذا الظلام الشامل بعد النور الساطع، وهذا السكون والهدوء بعد الجلبة والضجيج، وتلك الكواكب السيارة والأفلاك الدوارة كل ذلك آية على وجود الخبير البصير الذي يسير العالم على وفق نظام محكم دقيق لا يختل أبدا.
وآية عظيمة لهم الليل، نسلخ (١) منه النهار، ونزيل ضوءه عنه، ونكشفه عن الليل فيبدو الليل بسكونه وظلامه كالشاة بعد السلخ، فإذا سلخ بك النهار عن الليل فإذا هم مظلمون، أى : داخلون في الظلام مفاجأة وبغتة، فيكون النوم العميق والهدوء الشامل، سبحانه من قادر حكيم.
وآية لهم الشمس ذلك الكوكب النهارى الضخم تجرى في فلكها لحد مؤقت مقدر تنتهي إليه، ولا تتجاوزه أبدا، فكأنها تجرى لإدراكه حتى إذا ما انتهت إليه توقفت، واللّه وحده هو العالم إلى متى تجرى ؟ ومتى تقف ؟ ذلك تقدير العزيز العليم، نعم هو تقديره وحده، ونظامه المحكم الدقيق الذي لو اختل قيد شعرة فلا يعلم إلا اللّه ما الذي يحصل ؟ ! فالشمس تجرى وتدور حول نفسها وفي فلكها، والأرض أمامها تجرى وتدور حول نفسها وحول الشمس فينشأ عن كل ذلك النهار والليل والنور والظلام، والفصول الأربعة، أرأيت لو أن هذا النظام اختل في وقت ماذا يكون ؟ أمن المعقول أن ذلك يحصل بطبعه بدون إله مدبر ؟ تعالى اللّه عما يقولون.

(١) - وفي قوله (نسلخ) استعارة تبعية حيث استعار السلخ لكشف الضوء من مكان الليل، والجامع ما يعقل من ترتب أمر على أمر فإنه يترتب ظهور اللحم وظهور الظلمة.


الصفحة التالية
Icon