والخلاصة : أن خالق هذا الخلق العظيم من إنسان وحيوان ونبات وخالق أشياء لا نعلمها منزه عن الشريك والنظير، قادر على كل شيء، وفي الآية الأمر بالتنزيه عما لا يليق باللّه تعالى، كالأمر بالشكر في الآية المتقدمة.
وبعد الاستدلال على إمكان البعث والحشر بأحوال الأرض المكانية، ذكر تعالى أدلة أربعة من أحوال الأزمنة، فقال :
١ -« وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ » وسلخ النهار من الليل، كشطه عنه، وإزالة القشرة النورانية التي تكسوه، كما يكسو الجلد الحيوان.. فإذا سلخت هذه القشرة النورانية عن كيان الكائنات، سادها الظلام.. وفى قوله تعالى :« نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ » ـ إشارة إلى حركة انسحاب النور، بحركة الأرض، ودورانها حول الشمس، فينسلخ النور شيئا فشيئا عن الأماكن التي تطلع عليها الشمس، وذلك كما يسلخ الجلد عن الحيوان، شيئا فشيئا.. لا دفعة واحدة.."
أي ومن أدلة قدرته تعالى العظيمة : خلق الليل والنهار، وتعاقب الليل والنهار دائبين، فينزع النهار من الليل فيأتي بالضوء وتذهب الظلمة، وينزع الليل من النهار، فيصبح الخلق في ظلمة ويذهب الضوء، وهكذا يتعاقبان، يجيء هذا فيذهب هذا، ويذهب هذا فيجيء هذا، كما قال تعالى : يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً [الأعراف ٧/ ٥٤] نتيجة لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق، فتشرق الشمس على نصف الكرة الأرضية، وتغيب عن النصف الآخر، وفي كل من الظلمة والنور نفع وخير، ففي الظلام ترك العمل وسكون النفس والراحة من العناء، وفي النور متعة ولذة وحركة وعمل من أجل كسب الرزق.
وقوله فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ أي داخلون في الظلام، وإذا للمفاجأة، أي فهم داخلون في الظلمة مفاجأة وبغتة، لا يد لهم بعدئذ، ولا بد من الدخول فيه.
"وفيه إشارة إلى أن كل إنسان يكتسي من النور حلة، فإذا سلخت عنه صار جسما معتما مظلما، وأصبح قطعة من هذا الظلام، تجتمع قطعه بعضها إلى بعض، فإذا هى الليل.."


الصفحة التالية
Icon