تعالى : وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الإسراء ١٧/ ٧٠] وقال هنا :« وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ». أي ومن دلائل قدرته ورحمته تبارك وتعالى : تسخيره البحر ليحمل السفن، وركوب الذرية، أي الأولاد في السفن المملوءة بالبضائع التي ينقلونها من بلد إلى آخر، لتوفير القوت والمعاش، كما قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ، لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [لقمان ٣١/ ٣١].
وقيل : الذرية : آباؤهم الذين حملوا في سفينة نوح عليه السلام، وهي السفينة المملوءة بالأمتعة والحيوانات التي أمره اللّه تعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، حفاظا على أصول المخلوقات. والمعنى : أن اللّه حمل آباء هؤلاء وأجدادهم في سفينة نوح.
"" وفى الإشارة إلى حمل ذرياتهم دون حمل آبائهم إلفات إلى ما تحمل الفلك لهم من فلذات أكباد، ونفائس أموال وأمتعة، فتحفظها، وتصل بها إلى غايتها.. وفى هذا ما يريهم فضل اللّه عليهم، وإحسانه بهم، فقد لا يرى الإنسان فضل النعمة، ولا يقدرها قدرها إذا هى لبسته هو، فإذا رآها فى غيره عرف لها قدرها، وذكر فضلها.."
"قوله تعالى :« وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ » معطوف على قوله تعالى :« حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ » أي وآية لهم أنا خلقنا لهم من مثل هذا الفلك، مراكب يركبونها فى البر، وهى الإبل التي تسمى سفائن الصحراء، والخيل، والبغال والحمير، وغيرها مما يركب، ويحمل عليه.."
لكن قال الرازي : الضمير في مِثْلِهِ عائد إلى الفلك، على قول الأكثرين، فيكون هذا كقوله تعالى : وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [ص ٣٨/ ٥٨] وعلى هذا فالأظهر أن يكون المراد الفلك الآخر الموجود في زمانهم، وليس المراد الإبل.
ويؤيد هذا قوله تعالى هنا : وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ. ولو كان المراد الإبل، لكان قوله : وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ فاصلا بين متصلين.