القمر. والليل لا يسبق النهار، ولا يزحمه في طريقه، لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبدا فلا يسبق أحدهما الآخر أو يزحمه في الجريان! «وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»..
وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفين في الخضم الفسيح. فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب.
وإن الإنسان ليتضاءل ويتضاءل، وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة، والكواكب السيارة. متناثرة في ذلك الفضاء، سابحة في ذلك الخضم، والفضاء من حولها فسيح فسيح وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح!!!
«وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ، وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ، إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ»..
إن في السياق مناسبة لطيفة بين النجوم والكواكب السابحة في أفلاكها، والفلك المشحون السابح في الماء يحمل ذرية بني آدم! مناسبة في الشكل، ومناسبة في الحركة، ومناسبة في تسخير هذا وذلك بأمر اللّه، وحفظه بقدرته في السماوات والأرض سواء.
وهذه آية كتلك يراها العباد ولا يتدبرونها. بل هذه أقرب إليهم وأيسر تدبرا لو فتحوا قلوبهم للآيات.
ولعل الفلك المشحون المذكور هنا هو فلك نوح أبي البشر الثاني الذي حمل فيه ذرية آدم. ثم جعل اللّه لهم من مثله هذه السفن التي تمخر بهم العباب. وهؤلاء وهؤلاء حملتهم قدرة اللّه ونواميسه التي تحكم الكون وتصرفه وتجعل الفلك يعوم على وجه الماء، بحكم خواص الفلك، وخواص الماء، وخواص الريح أو البخار، أو الطاقة المنطلقة من الذرة، أو غيرها من القوى. وكلها من أمر اللّه وخلقه وتقديره.