" هو مما يشير إلى جواب الشرط فى الآية السابقة.. فهو حكم عليهم بأنهم لا يلتقون بآية من آيات ربهم، إلا أعرضوا عنها، مكذبين بها، ساخرين منها.."
أي وما تجيء هؤلاء المشركين آية من آيات اللّه على التوحيد وصدق الرسل إلا شأنهم الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، وترك التأمل بها، وعدم الانتفاع بها، لتعطيل طاقة الفكر والنظر المرشد إلى الإيمان وتصديق الرسول - ﷺ -.
وفضلا عن سوء الاعتقاد باللّه ورسوله - ﷺ -، تركوا الشفقة على خلق اللّه، كما قال تعالى :« وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ».
وهذه آية من آيات اللّه، تدعوهم إلى خير، وإلى بر وإحسان، بأن ينفقوا مما رزقهم اللّه ـ فماذا كان جوابهم على هذه الدعوة من صاحب الأمر، وصاحب الرزق ؟. كان جوابهم هو : ـ « قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ؟ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ »..
وهذا جواب خبيث ماكر، يكشف عن كفر غليظ.. إنهم فى سبيل الغلب بالمماحكة والجدل، يؤمنون باللّه، ويؤمنون بمشيئته فى خلقه، وبتصريفه المطلق لكل أمر.. فيقولون ردّا على قول اللّه أو الرسول أو المؤمنين لهم :« أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ » ـ يقولون :« أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ؟ » إن تلك هى مشيئة اللّه فى هؤلاء الجياع الذين ندعى إلى إطعامهم..
إن اللّه أراد لهم أن يجوعوا، ولو أراد أن يطعمهم لأطعمهم.. فإنه قادر، وخزائنه لا تنفد!! فلم يدعوننا نحن إلى إطعامهم، وهو القادر، ونحن العاجزون، وهو الغنى ونحن الفقراء ؟ إن أنتم أيها المؤمنون « إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » ! لا تعرفون اللّه، ولا تقدرونه قدره!!.
وهذا الرد من المشركين، هو ردّ من خذله اللّه، وأضله على علم.. فهم إذ يدعون إلى الإيمان باللّه، لا يسمعون، ولا يعقلون.. وهم إذا دعوا إلى ما تقتضيه دواعى المروءة الإنسانية، من الإحسان إلى إخوانهم الفقراء، يقيمون من اللّه،