الاستباق وسلوك الطريق الذي اعتادوا سلوكه ما قدروا ولا أبصروا، ولم يشأ أن يمسخ صورهم ويجعلهم كالقردة والخنازير حتى لو أرادوا الذهاب إلى مقاصدهم ما استطاعوا، ولو أرادوا الرجوع ما قدروا، ثم دفع معذرة أخرى ربما احتجوا بها وهى أن ما عمّروه قليل، ولو طال عمرهم لأحسنوا العمل، واهتدوا إلى الحق فرد ذلك عليهم بأنهم كلما عمّروا في السن ضعفوا عن العمل وقد عمّروا مقدار ما يتمكنون به من البحث والإدراك كما قال :« أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ » ولكن ذلك ما كفاهم، فهم مهما طالت أغمارهم لا يجديهم ذلك فتيلا ولا قطميرا. (١)
أما الفريق الثاني فيقال لهم : امتازوا وانفردوا عن المؤمنين أيها المجرمون، وكونوا على حدة، وحين يحشر الناس ويذهب بالمؤمنين إلى الجنة وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ [الروم ١٤ - ١٦].
ثم يقال لهم تأنيبا وتوبيخا على ما مضى من أعمالهم : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ وعهد اللّه ببني آدم ما ركب فيهم من القوى العاقلة والفطرة السليمة التي تهتدى إلى الخير، وما أرسل إليهم من رسل مبشرين ومنذرين يدعونهم إلى عبادة الرحمن، ويحذرونهم دائما من طاعة الشيطان، حذرنا اللّه بواسطة رسله من الشيطان فإنه لنا عدو مبين بين العداوة، وأمرنا بعبادته وحده والاستعانة به وحده فهو اللّه لا إله إلا هو.
هذا - الإشارة إلى ما عهد به اللّه من طاعة الرحمن وعصيان الشيطان - صراط مستقيم وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [سورة الأنعام آية ١٥٣].