هذا الدين هو الدين الحق وهو الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه لأنه من رب العالمين.
ولقد أضل منكم الشيطان خلقا كبيرا، ووسوس لهم وزين لهم فعل السيئات حتى وقعوا في المعاصي والعذاب الشديد، أعميتم فلم تكونوا تعقلون ؟ هذه جهنم - والإشارة لها لتميزها وظهور آثارها الشديدة - التي كنتم توعدون بها فتكذبون، ويقال لهم مع هذا : اصلوها وذوقوا حرها جزاء لكم بما كنتم تكفرون.
روى أنهم حين يقال لهم ذلك يجدون ما صدر عنهم في الدنيا فيخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهلهم وعشيرتهم فيحلفون أنهم ما كانوا مشركين ويقولون : لا نجيز علينا شاهدا إلا من أنفسنا، فيختم اللّه على أفواههم، ويقال لأعضائهم : انطقى فتنطق بما صدر منها، وهذا يفسر قوله تعالى : الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
ولعل سائلا يقول : ما السر في جعل الكلام لليد والشهادة للرجل ؟ والجواب كما هو مذكور في كتاب الخازن : أن اليد تباشر والرجل تكون حاضرة، وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى، وقول الفاعل إقرار على نفسه بما فعل.
واللّه - سبحانه وتعالى - صاحب النعم والفضل الكبير على الناس جميعا مسلمهم ومشركهم، ولو شاء إزالة نعمة البصر عنهم فيصيروا عميا لا يقدرون على التردد والسير في الطريق الواضحة المألوفة لهم لفعل، ولكنه فضلا منه وإحسانا أبقى عليهم نعمة البصر فحق الناس أن يشكروا ولا يكفروا.
ولو شاء ربك لمسح أعين الكفار، وأذهب أحداقهم وأبصارهم حتى لو أرادوا سلوك الطريق الواضح المعروف لهم لما استطاعوا، فكيف يبصرون حينئذ ؟ !
ولو شاء ربك لمسخ الكفار والعصاة قردة أو خنازير أو حجارة، ولو شاء لمسخهم مسخا يحل بهم في منازلهم فلا يقدرون أن يفروا منه بإقبال ولا بإدبار وما استطاعوا ذهابا، ولا رجوعا، ولكنه لم يشأ ذلك جريا على سنن الرحمة وموجب الحكمة، فكان واجب أن يقابل ذلك بالشكر والعبودية للّه، هذا نقاش للكفار