والاختيار، والتحرك من الكفر إلى الإيمان، إن شاءوا.. فمشيئتهم مطلقة عاملة، غير معطلة، وبهذا لا تكون لهم على اللّه حجة.
وهذا يعنى أن الخطاب هنا ـ وهو لجماعة المشركين ـ يشير إلى أن فيهم من سيتحولون من حالهم تلك، ويخرجون من هذا الظلام، ويلحقون بالمؤمنين، ويدخلون فى دين اللّه.. فالفرصة لا تزال فى أيديهم، لن تفلت منهم بعد.. وإن السعيد منهم من سبق، وأخذ مكانه على طريق الإيمان، قبل أن تفلت الفرصة من يده"
ثم حذرهم مَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ، أَفَلا يَعْقِلُونَ؟ أي ومن نطل عمره، نرده إلى الضعف بعد القوة، والعجز بعد النشاط، أفلا يدركون ويتفكرون أنهم كلما تقدمت بهم السن، ضعفوا وعجزوا عن العمل؟ وأننا أعطيناهم الفرصة الكافية من العمر للبحث والنظر والتفكير الصحيح، فإذا طالت أعمارهم بعدئذ أكثر من ذلك، فلن يفيدهم طول العمر شيئا. وفي هذا قطع لأعذارهم بأنه لم تتوافر لديهم الفرصة المواتية للبحث والنظر.
والآية مثل : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم ٣٠/ ٥٤].
" « وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ.. أَفَلا يَعْقِلُونَ » مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيتين السابقتين، حملتا مع هذا التهديد الذي حملته إلى المشركين، دعوة إلى المبادرة إلى الإيمان باللّه، واستباق الزمن قبل أن يفوت الأوان..
وهنا فى هذه الآية، دعوة أخرى إلى المبادرة واستباق الزمن.. حيث أنه كلما طال الزمن بهم لم يزدهم طول الزمن إلا نقصا فى الخلق، وإلا ضعفا فى التفكير، حيث يأخذ الإنسان عند مرحلة من مراحل العمر فى العودة إلى الوراء، وفى الانحدار شيئا فشيئا، حتى يعود كما بدأ، طفلا فى مشاعره، وخيالاته، وصور تفكيره..


الصفحة التالية
Icon