فالزمن بالنسبة لهؤلاء المشركين، ليس فى صالحهم، وأنهم وقد بلغوا مرحلة الرجولة الكاملة، لا ينتظرون إلا أن ينقصوا لا أن يزدادوا، وعيا وإدراكا، وأنهم إذا لم تهدهم عقولهم إلى الإيمان بهذا الكتاب الذي بين أيديهم فلن يهتدوا بعد هذا أبدا، بل سيزدادون ضلالا إلى ضلال، وعمى إلى عمى
وفى قوله تعالى :« أَفَلا يَعْقِلُونَ » حثّ لهم على استعمال عقولهم تلك، التي هى معهم الآن، ثم إذا هى ـ بعد أن يمتد العمر بهم ـ وقد تخلت عنهم!
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً » (٧٠ : النحل)."
ومضات عامة
قال الرازي : وفي الختم على الأفواه وجوه، أقواها أن الله يسكت ألسنتهم فلا ينطقون بها، وينطق جوارحهم فتشهد عليهم، وإنه في قدرة الله يسير، أما الإسكات فلا خفاء فيه، وأما الإنطاق فلأن اللسان عضو متحرك بحركة مخصوصة. فكما جاز تحركه بها، جاز تحرك غيره بمثلها، والله قادر على الممكنات. والوجه الآخر، أنهم لا يتكلمون بشيء ؛ لانقطاع أعذارهم وانتهاك أستارهم، فيقفون ناكسي الرؤوس وقوف القنوط اليؤوس، لا يجد عذراً فيعتذر، ولا مجال توبة فيستغفر، وتكلم الأيدي ظهور الأمور بحيث لا يسع معه الإنكار، حتى تنطق به الأيدي والأبصار. كما يقول القائل : الحيطان تبكي على صاحب الدار. إشارة إلى ظهور الحزن، والأول صحيح. انتهى. أي : لإمكانه وعدم استحالته، فلا تتعذر الحقيقة. ويؤيده آية :﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ فصلت : ٢١ ]. (١)
وقال دروزة " عند قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - فَضَحِكَ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مِمَّا أَضْحَكُ ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : مِنْ