وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، وَالنَّاسُ يَغْدُونَ، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا، أَوْ مُبْتَاعٌ فَمُعْتِقُهَا " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ (١).
وَلَا يُعْقَلُ إِلَّا بِفَهْمِهِ، وَالْإِصَابَةِ مِنْ حِكْمَتِهِ وَحِكَمِهِ.
فقد خَاطَبَ اللهُ بِالْقُرْآنِ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ التَّنْزِيلِ، وَلَمْ يُوَجِّهِ الْخِطَابَ إِلَيْهِمْ لِخُصُوصِيَّةٍ فِي أَشْخَاصِهِمْ، بَلْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَفْرَادِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِهِدَايَتِهِ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) فَهَلْ يُعْقَلُ أَنَّهُ يَرْضَى مِنَّا بِأَنْ لَا نَفْهَمَ قَوْلَهُ هَذَا وَنَكْتَفِيَ بِالنَّظَرِ فِي قَوْلِ نَاظِرٍ نَظَرَ فِيهِ، لَمْ يَأْتِنَا مِنَ اللهِ وَحْيٌ بِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا ؟!
كَلَّا إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَفْهَمَ آيَاتِ الْكِتَابِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَالَمٍ وَجَاهِلٍ.
يَكْفِي الْعَامِّيَّ مِنْ فَهْمِ قَوْلِهِ تَعَالَى :(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إِلَخْ : مَا يُعْطِيهِ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَاتِ، وَأَنَّ الَّذِينَ جُمِعَتْ أَوْصَافُهُمْ فِي الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ لَهُمُ الْفَوْزُ وَالْفَلَاحُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَيَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَوْصَافِ أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى الْخُشُوعِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّغْوِ وَمَا لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَى مَا فِيهِ فَائِدَةٌ لَهُ، دُنْيَوِيَّةٌ أَوْ أُخْرَوِيَّةٌ، وَبَذْلِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَصِدْقِ الْوَعْدِ، وَالْعِفَّةِ عَنْ إِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ، وَأَنَّ مَنْ فَارَقَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ إِلَى أَضْدَادِهَا فَهُوَ الْمُتَعَدِّي حُدُودَ اللهِ، الْمُتَعَرِّضُ لِغَضَبِهِ، وَفَهْمُ هَذِهِ الْمَعَانِي مِمَّا يَسْهُلُ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَ، وَمِنْ أَهْلِ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ. وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ مَا يَجْذِبُ نَفْسَهُ عَلَى الْخَيْرِ، وَيَصْرِفُهَا عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ لِهِدَايَتِنَا وَهُوَ يَعْلَمُ مِنَّا كُلَّ أَنْوَاعِ الضَّعْفِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ.
=================

(١) - شعب الإيمان - (٤ / ٢٣٦) (٢٤٥٣ ) وصحيح مسلم - (٥٥٦) والآحاد والمثاني - (٤ / ٣٣٩) (٢٥٠٨)


الصفحة التالية
Icon