المعنى العام :
بعد أن ذكر أمر الوحدانية في قوله : وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم، وذكر أمر البعث في قوله : اصلوها اليوم - ذكرها الأصل الثالث. وهو الرسالة في الآية الأولى والثانية. (١)
وبعد أن ذكر سبحانه الأدلة على الأصول الثلاثة : الوحدانية والحشر والرسالة - أعاد الكلام في الوحدانية وذكر بعض دلائلها. (٢)
وبعد أن ذكر سبحانه أنهم كفروا بأنعم اللّه عليهم وأنكروها - أردف ذلك بيان أنهم زادوا في ضلالهم، وأقبلوا على عبادة من لا يضر ولا ينفع، وتوقعوا منه النصرة مع أنهم هم الناصرون لهم كما قال تعالى حاكيا عنهم « قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ » والحقيقة أنها لا هى ناصرة ولا منصورة. (٣)
الشعر نوع من الكلام العربي له طابع خاص، ووزن خاص، وهو يعتمد على وحدة القافية، يعنى بالخيال الخصب، والتصوير الرائع والعاطفة المشبوبة، ولهذا لا يتحرى الشاعر غالبا في كلامه الصدق، ولا يلتزم جادة الصواب، بل تراه كما وصفه القرآن أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ. وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ، وقد قيل : أعذب الشعر أكذبه، وقبيل مبعث النبي - ﷺ - ظهر التكسب بالشعر، وتعرض الشعراء للقول بالحق وبالباطل، وظهر بعد العصر الإسلامى الأول التكسب بالشعر، وصار صنعة يتحاشاها الأشراف لهذا وأشباهه لم يقل النبي الشعر، وما كان ينبغي له، وقد رمى الكفار القرآن بأنه شعر مرة، وأنه سحر مرة أخرى، أو هو من عمل الكهان.
وهنا يرد القرآن على المشركين هذه الدعوى الباطلة مثبتا أن اللّه لم يعلمه الشعر وما ينبغي له - لما قدمناه - والقرآن ليس شعرا، وإن كان أبلغ كلام وأعلاه،
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٣ / ٣٢)
(٣) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٣ / ٣٣)