وكيف يكون شعرا مع أن للشعر طابعا خاصّا في وزنه ومعناه وأخيلته ؟ وما القرآن إلا ذكر للعالمين، وموعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمتقين، هو جلاء القلوب، وعلاج الأرواح، أنزل على النبي المصطفى لينذر به من كان حيّا من الناس.
إنه لتعبير دقيق جدّا، وتصوير رائع، فإنه لا يهتدى به ولا يتعظ ولا يقبل إنذار القرآن إلا الأحياء، والأحياء في عقولهم وتفكيرهم وأرواحهم، أما الأموات فأنى يسمعون ؟ وكيف يبصرون ؟ فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وعند ذلك يحق القول الحق لأنه من الحق تبارك وتعالى، وتجب الحجة بالقرآن على الكافرين الذين لا يعقلون ولا يتدبرون، بل هم أموات لا يشعرون، وما لهم ينكرون كون القرآن من عند اللّه، أهم في شك من قدرته ؟ أم هم في غفلة عن قوة إعجازه ودلالته على أنه من عند اللّه ؟
ألم يعلموا خلقهم ولم يروا أنّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون فاللّه خلق الحيوانات وذللها فنحن متصرفون فيها مختصون بمنافعها. ضابطون لها مهما كان الإنسان صغيرا ومهما كان الحيوان ضخما كبيرا.
يصرفه الصبى بكل وجه ويحبسه عن الخسف الغرير
وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكير
وذللناها لهم فمنها ركوبهم، ومنها أكلهم، ومنها شربهم، ولهم فيها منافع أخرى كالأصواف والأوبار والجلود وغيرها. أفلا يشكرون اللّه على ذلك ؟ ما فعلوا من ذلك شيئا.
واتخذوا من دون اللّه آلهة راجين منها النصرة، آملين منها المنفعة، وما علموا أنهم لا يستطيعون نفعا ولا ضرّا، وأنهم لا ينصرون أحدا، بل إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب، والحال أن المشركين لهذه الآلهة جند محضرون في الدنيا يخدمون، ويذبون عنهم، ويغضبون لهم، والآلهة لا يستطيعون لهم شيئا ولا قدرة عندهم، والأمر على خلاف ما توهموا، بل إنهم يوم القيامة


الصفحة التالية
Icon