كيف ترجع الحياة إلى هذه العظام النخرة ؟، فأجابهم عن شبهتهم بأن الذي أنشأها أول مرة من العدم هو الذي يحييها، وهو العليم بتفاصيل أجزائها مهما وزعت وتفرّقت، ثم ذكر لهم دليلا آخر يرفع هذا الاستبعاد، وهو أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من الماء، قادر على إعادة الحياة إلى ما كان غضّا طريا ثم يبس وبلى، ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان وفيه الدليل على قدرته، وهو خلق السموات والأرض، ثم أعقب ذلك بما هو كالنتيجة لما سلف، وفيه بطلان لإنكارهم، فأبان أن كل شىء هيّن عليه، فما هو إلا بقول (كُنْ فَيَكُونُ) تنزه ربنا ذو الملك والملكوت عن كل ما يقول المشركون، فإليه يرجع جميع الخلق للحساب والجزاء. (١)
والمعنى : هذا كلام مستأنف مسوق لبيان بطلان إنكارهم البعث وإثباته بالدليل القاطع، بعد بيان بطلان إشراكهم باللّه بالأدلة المشاهدة، ألم (٢) يتفكر الإنسان ولم يعلم أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم بين الخصومة ؟ ألم يعلموا خلقه تعالى لأسباب معايشهم ولم يعلموا خلقه تعالى لأنفسهم مع كون العلم بذلك في غاية الظهور والوضوح، ورجوع الإنسان بنفسه إلى مبدأ خلقه، وإلى نشأته الأولى، وأنه خلق من ماء مهين من نطفة قذرة تخرج من مجرى البول، ومع ذلك يفاجئ بالخصومة والجدل للخالق الكبير المتعال، إن هذا لشيء عجيب تنكره العقول السليمة.
وقوله تعالى :(فإذا هو خصيم مبين) داخل في حيز الإنكار والتعجب كأنه قيل : أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من أخس الأشياء وأحقرها ففاجأنا بالخصومة في أمر يشهد بصحة مبدأ خلقه شهادة بينة.
(٢) - الهمزة للإنكار مع إفادة التعجب، والواو للعطف على مقدر ذكرناه في الشرح.