وَأَقُولُ الْآنَ : يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ :" إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ " (١) وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَالَ النَّاسِ قَبْلَهُ يَجْهَلُ تَأْثِيرَ هِدَايَتِهِ وَعِنَايَةَ اللهِ بِجَعْلِهِ مُغَيِّرًا لِأَحْوَالِ الْبَشَرِ وَمُخْرِجًا لَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَمَنْ جَهِلَ هَذَا يَظُنُّ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَمْرٌ عَادِيٌّ. كَمَا تَرَى بَعْضَ الَّذِينَ يَتَرَبَّوْنَ فِي النَّظَافَةِ وَالنَّعِيمِ يَعُدُّونَ التَّشْدِيدَ فِي الْأَمْرِ بِالنَّظَافَةِ وَالسِّوَاكِ مِنْ قَبِيلِ اللَّغْوِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَاةِ عِنْدَهُمْ، وَلَوِ اخْتَبَرُوا غَيْرَهُمْ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ لَعَرَفُوا الْحِكْمَةَ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ وَتَأْثِيرَ تِلْكَ الْآدَابِ مِنْ أَيْنَ جَاءَ ؟
قلت :" إنّ الذين يدركون الباطل ويعرفونه هم أقدر على معرفة الحقّ إذا اعتنقوه وإنّ الذين يتبعون الإسلام ولا يعلمون الجانب المقابل له، وهو الباطل يخشى عليهم من الانزلاق في طرق الباطل، وصدق عمر بن الخطاب حيث يقول :"توشك أن تنقض عُرى الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية"، ولا شك أنّ الذي يعرف ظلام الليل أقدر على معرفة ضوء النهار، والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
وقد أدرك هذه الحقيقة سيد قطب رحمه الله حيث يقول :" الإنسان لا يدرك ضرورة هذه الرسالة، وضرورة هذا الانفكاك عن الضلالات التي كانت البشرية تائهة في ظلماتها، وضرورة الاستقرار على يقين واضح في أمر العقيدة... حتى يطّلع على ضخامة ذلك الركام، وحتى يرتاد ذلك التيه، من العقائد والتصورات

(١) - قلت : لم أجده بهذا اللفظ وذكر في كثير من الكتب انظر : أثر الإيمان في بناء الأمم - (١ / ٤) وأثر الإيمان في بناء الأمم - (١ / ٤) وإسلامية لا وهابية - (١ / ٣٧) وإعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد - (١ / ٨٨) والدرر السنية كاملة - (١ / ١٢٢) والعقيدة في الله للأشقر- تنسيق وفهرسة - (١ / ٣٢) ودرء التعارض - (٣ / ٢٤) وكيف نفهم التوحيد - (١ / ٤) ومختصر منهاج السنة النبوية - (١ / ١٣٦) ومنهاج السنة النبوية - (٤ / ٣٥٦) والمنتقى من فتاوى الفوزان - (٢٢ / ١١) وفتاوى الشبكة الإسلامية معدلة - (٢ / ٤٥٠٣) رقم الفتوى ٩٢٠٣ وسائل نفي الشرك ومدارج السالكين - (١ / ٣٤٣) ومفتاح دار السعادة (١/٢٩٥)، والجواب الكافي (ص١٥٢). وعمر بن الخطاب - (١ / ٢٠)


الصفحة التالية
Icon