أقسم الحق تبارك وتعالى بالقرآن المحكم الآيات الكامل المعجزات بأنك يا محمد لمن المرسلين على صراط مستقيم لا عوج فيه وهو الإسلام، وهو طريق الأنبياء من قبلك..
وليس القسم بالقرآن قد ذكر عرضا من غير قصد، لا. بل الظاهر - واللّه أعلم - أنه لفت لأنظارنا إذ هو المعجزة الباقية، والدليل الأول على أن محمدا - ﷺ - صادق في دعواه، وأنه رسول من عند مولاه.
هذا القرآن نزل تنزيل العزيز في ملكه الرحيم بخلقه، وفي هذا إشارة إلى مكانة القرآن وأنه أجل نعمة من نعم الرحمن، أنزل عليك لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم الأقربون - وإلا فآباؤهم الأقدمون قد أنذروا بإسماعيل - عليه السلام - فهم غافلون عن طريق الحق والنور.
لقد حق القول على أكثرهم وثبت، إذ لا يبدل القول عند العزيز الحكيم، وعلى ذلك فالمراد بالقول : الحكم والقضاء الأزلى، تحقق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون، ولكن لا بطريق الجبر والإلجاء، بل باختيارهم وإصرارهم على الكفر والعناد، وفي هذا تطمين للنبي - ﷺ -.
إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وهذه الآية لتقرير الحكم السابق عليهم بأنهم لا يؤمنون، ولا تنفع معهم النذر بالآيات، فالقرآن الكريم يريد أن يشبههم ويمثلهم حيث لم يؤمنوا ولم يذعنوا بمن غلت يده في عنقه فلم يستطع أن يتعاطى مقصودا للمعنى الحسى القائم به، وهو الغل البالغ إلى الذقن الذي جعل صاحبه مقمحا، أى : رافعا رأسه لا يستطيع أن يبصر تحت قدميه.
وقيل : إن الآية حقيقة وليس فيها (استعارة) وإنما هذا تصوير لهم يوم القيامة إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [سورة غافر آية ٧١].
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وهذا تمثيل آخر لهم أنهم وقد سدت عليهم طرق الإيمان سدا إلهيا معنويا يشبهون من سدت عليهم الطرق سداّ حسيا فلم يصلوا إلى مطلوبهم، والسد الذي بين أيديهم


الصفحة التالية
Icon