اتجاه يكونون، يكون السدان من خلفهم ومن أمامهم.. أما عن أيمانهم وعن شمائلهم، فالطوق قائم بوظيفته فيهم فى كل حال..
وهذه الصورة إعجاز من إعجاز القرآن، فى تجسيد المعاني، وفى بعث الحياة، والحركة فى الجمادات والساكنات.. حيث نرى الكافر هنا وقد أدخل فى سجن محكم، مطبق عليه، لا يرى منه النور أبدا. (١)
وفيه إشارة إلى ما يقع لهؤلاء المشركين من هذه الآيات التي سلطها اللّه عليهم، من الأغلال والسدود، فلقد أقامت هذه الآفات غشاوة على عيونهم، فهم لا يبصرون.. وكيف يبصر من عاش فى هذه الحدود التي لا تتجاوز محيط جسده ؟ وما ذا يبصر لو كان له أن يبصر ؟. (٢)
ونتيجة لما سبق : وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي إن إنذارك لهؤلاء المصرين على كفرهم وعدمه سواء، فلا ينفعهم الإنذار، ما داموا غير مستعدين لقبول الحق، والخضوع لنداء اللّه، والنظر في الدلائل الدالة على صدق رسالة النبي - ﷺ -، والتأمل في عجائب الكون المشاهدة الدالة على وجود اللّه تعالى ووحدانيته.
"إنهم لن يتحولوا عن حالهم التي هم فيها، فلقد جمدوا على حالتهم تلك، كما تحنط الموتى فى توابيتها « وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ » (١٠١ يونس).. وإذا فلا يقف النبي كثيرا عند هؤلاء المشركين الذين وقفوا من الدعوة هذا الموقف المحادّ لها، المتربص بها.." (٣)
أما نفع الإنذار، فهو كما ذكر تعالى : إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ، وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ، فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ، أي إنما ينفع إنذارك الذين آمنوا بالقرآن العظيم واتبعوا أحكامه وشرائعه، وخافوا عقاب اللّه قبل حدوثه ومعاينة أهواله،

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩٠٩)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩١٠)
(٣) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩١٠)


الصفحة التالية
Icon