أو خشوا اللّه قبل رؤيته، فهؤلاء بشرهم بمغفرة لذنوبهم، ورضوان من اللّه، وأجر كريم ونعيم مقيم هو الجنة. ونظير الآية : إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك ٦٧/ ١٢].
" فليوجه النبي وجهه كله إلى المؤمنين، وليعطهم جهده كله، ففى هذا الميدان يثمر عمله، ويقع موقعه من أهله..
وفى قصر الإنذار على من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب ـ فى هذا إشارة إلى الاستعداد الفطري للإيمان عند هؤلاء المنذرين، وأنهم بفطرتهم السليمة كانوا والإيمان الذي يدعون إليه على موعد، بل إنهم فى انتظار له، وشوق إليه، قبل أن يطلع عليهم..
وفى جعل الخشية، للرحمن، إشارة إلى أنها خشية إجلال وتعظيم، .. خشية حب وتوقير، لا خشية جبروت وقهر.. إنها خشية « الرحمن » الذي وسعت رحمته كل شىء.." (١)
ثم أكد اللّه تعالى حصول الجزاء للمؤمنين وغيرهم، فقال : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى، وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ أي إننا قادرون فعلا على إحياء الموتى، وبعثهم أحياء من قبورهم، ونحن الذين ندوّن لهم كل ما قدموه وأسلفوه من عمل صالح أو سيء، وتركوا من أثر طيب أو خبيث، أي نكتب ونسجل أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها وخلفوها من بعدهم، فنجزيهم على ذلك إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فمن عمل على نشر الفضيلة جوزي بها، ومن عمد إلى نشر الرذيلة والسوء في الملاهي أو الكتب الخليعة يحاسب عليها.
"وفى هذا التقرير يتأكد للمؤمنين إيمانهم بهذا الغيب، وتزداد خشيتهم للّه.."
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - جُلُوسًا فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ، أَوْ قَالَ: مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - يَتَغَيَّرُ لَمَّا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ،

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١١ / ٩١١)


الصفحة التالية
Icon