في البين، وتوجيهه بأنه كالبيان لقوله :﴿ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ﴾ [ يس : ٧ ]، والأول أدق، وبالقبول أحق. " (١)
وقال الشنفيطي :
"والمراد بالآية الكريمة : أن هؤلاء الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علم الله المذكورين في قوله تعالى :﴿ لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ ﴾ [ يس : ٧ ] صرفهم الله عن الإيمان صرفاً عظيماً مانعاً من وصوله إليهم، لأن من جعل في عنقه غلّ، وصار الغل إلى ذقنه، حتى صار رأسه مرفوعاً لا يقدر أن يطأطئه، وجعل أمامه سدّ، وخلفه سدّ وجعل على بصره الغشاوة لا حيلة له في التصرف، ولا جلب نفع لنفسه، ولا في دفع ضرّ عنهم، فالذين أشقاهم الله بهذه المثابة لا يصل إليهم خير.
وهذا المعنى الذي دّلت عليه هذه الآية من كونه جلّ وعلا يصرف الأشقياء الذين سبقت لهم الشقاوة في علمه عن الحق ويحول بينهم وبينه، جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾ [ الكهف : ٥٧ ] وقوله تعالى :﴿ خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾ [ البقرة : ٧ ] وقوله تعالى :﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ] وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ] وقوله تعالى :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ] وقوله تعالى :﴿ وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ المائدة : ٤١ ].
وقوله تعالى :﴿ أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وأولئك هُمُ الغافلون ﴾ [ النحل : ١٠٨ ] وقوله تعالى :{ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ

(١) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١١ / ١٠٧)


الصفحة التالية
Icon