وبعد بيان هذا الشمول والعموم، يأتي مبحث العام الباقي على عمومه، والعام المخصوص، وهل عموم "ما" هنا باق على عمومه أم دخله تخصيص؟
قال جماعة من العلماء منهم ابن عباس، إن العموم باق على عمومه، وإن لفظ التسبيح محمول على حقيقته في التنزيه والتحميد.
وقال قوم: إن العموم باق على عمومه لم يدخله خصوص، ولكن التسبيح يختلف، ولكل تسبيح بحسبه، فمن العقلاء بالذكر والتحميد والتمجيد كالإنسان والملائكة والجن، ومن غير العاقل سواء الحيوان والطير والنبات والجماد، فيكون بالدلالة بأن يشهد على نفسه، ويدل على أن الله تعالى خالق قادر.
وقال قوم: قد دخله التخصيص.
ونقل القرطبي عن عكرمة، قال: الشجرة تسبح والأسطوان لا يسبح. وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما في طعام وقد قدم الخوان: أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد؟ فقال: قد كان يسبح مرة. يريد أن التسبيح من الحي أو النامي سواء الحيوان أو النبات وما عداه فلا. وقال القرطبي: ويستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من وضع الجريد الأخضر على القبر، وقوله ﷺ فيه: "لعله يحفف عنهما ما لم ييبسا". أي بسبب تسبيحهما، فإذا يبسا انقطع تسبيحهما ا هـ.
والصحيح من هذا كله الأول الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وهو الذي يشهد له القرآن الكريم لعدة أمور:
أولاً: لصريح قوله تعالى؟: ﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـ؟كِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.
ثانياً: أن الحامل لهم على القول بتسبيح الدلالة، هو تحكيم الحس والعقل، حينما لم يشاهدوا ذلك ولم تتصوره العقول، ولكن الله تعالى نفى تحكيم العقل الحسي هنا، وخطر على العقل بقوله تعالى؟: ﴿وَلَـ؟كِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon