خامساً: لقد شهد المسلمون منطق الجماد بالتسبيح وسمعوه بالتحميد حساً كستبيح الحصا في كفه صلى الله عليه وسلم، وكحنين الجذع للنبي ﷺ حتى سمعه كل من في المسجد، وما أخبر به صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم حجراً في مكة ما مررت عليه إلا وسلم علي"، وما ثبت بفرد يثبت لبقية أفراد جنسه، كما هو معلوم في قاعدة الواحد بالجنس والواحد بالنوع.
ومن هذا القبيل في أعظم من ذلك ما رواه البخاري في كتاب المناقب عن أنس رضي الله عنه أن النَّبي ﷺ صعد أُحداً وأبو بكر وعمرو عثمان فرجف بهم فقال: "أثبت أُحد فإن عليك نبياً وصديقاً وشهيدين".
وفي موطأ مالك: لما رجع ﷺ من سفر طلع عليهم أُحد فقال "هذا جبل يحبنا ونحبه".
فهذا جبل من كبار جبال المدينة يرتجف لصعود النَّبي ﷺ وأبي بكر وعمر وعثمان، فيخاطبه ﷺ خطاب العاقل المدرك: "أثبت أُحد فإن عليك نبياً وصديقاً وشهيدين"، فيعرف النَّبي ويعرف الصديق والشهيد فيثبت، فبأي قانون كان ارتجافه؟ وبأي معقول كان خطابه؟ وبأي معنى كان ثبوته؟ ثم ها هو يثبت له ﷺ المحبة المتبادلة بقوله: يحبنا ونحبه.
وإذا ناقشنا أقوال القائلين بتخصيص هذا العموم من إثبات التسبيح للجمادات ونحوها، لما وجدنا لهم وجهة نظر إلا أن الحس لم يشهد شيئاً من ذلك، وقد أوردنا الأمثلة على إثبات ذلك لسائر الأجناس، وتقدم تنبيه الشيخ على تأكيد ذلك بقوله تعالى؟: ﴿وَكُنَّا فَـ؟عِلِينَ﴾ رداً على استبعاده.


الصفحة التالية
Icon