ومن الأدلة القرآنية في هذا المقام، ما جاء في سياق قوله تعالى؟: ﴿وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾، جاء بعدها قوله تعالى؟: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ ؟لْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ؟لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِ؟لاٌّخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ وهذا نص يكذب المستدلين بالحس. لأن الله تعالى أخبر بأنه جعل بين الرسول ﷺ في تلك الحالة، وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً يحجبه عنهم، وهذا الحجاب مستور عن أعينهم فلا يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه محجوب عنهم، ولا يرون الحجاب لأنه مستور، وهذا هو الصحيح في هذه الآية.
وقد قال فيها بعض البلاغيين. إن مستوراً هنا بمعنى ساتراً ويقال لهم: إن جعل مستوراً بمعنى ساتر تكرار لمعنى حجاب، لأن قوله تعالى؟: ﴿جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ؟لَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِ؟لاٌّخِرَةِ حِجَابًا﴾ هو بمعنى ساتر، أي يستره عن الذين لا يؤمنون بالآخرة وليس في ذلك زيادة معنى، ولا كبير معجزة، ولكن الإعجاز في كون الحجاب مستوراً عن أعينهم، وفي هذا تحقيق وجود المعنيين، وهما حجبه ﷺ وسلم عنهم، وستر الحجاب عن أعينهم، وهذا أبلغ في حفظه ﷺ منهم، لأنه لو كان الحجاب مرئياً أي ساتراً فقط مع كونه مرئياً لربما اقتحموه عليه، وأقوى في الإعجاز، لأنه لو كان الحجاب مرئياً لكان كاحتجاب غيره من سائر الناس. ولكن حقيقة الإعجاز فيه هو كونه مستوراً عن أعينهم، وهذا ما رجحه ابن جرير.