وكون الحشر بمعنى الجمع لا يتنافى مع كون خروجهم كان إلى أوائل الشام، لأن الغرض الأول هو جمعهم للخروج من المدينة، ثم يتوجهون بعد ذلك إلى الشام أو إلى غيرها.
وقد استدل بعض العلماء على أن توجههم كان إلى الشام من قوله تعالى؟: ﴿يَـ؟أَيُّهَآ ؟لَّذِينَ أُوتُواْ ؟لْكِتَـ؟بَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى؟ أَدْبَـ؟رِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَـ؟بَ ؟لسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ؟للَّهِ مَفْعُولاً﴾، لأن السياق في أهل الكتاب، والتعريض بأصحاب السبت ألصق بهم.
فقال بعض المفسرين: الوجوه هنا هي سكناهم بالمدينة، وطمسها تغير معالمها، وردهم على أدبارهم، أي إلا بلاد الشام التي جاءوا منها أولاً حينما خرجوا من الشام إلى المدينة، انتظاراً لمحمد صلى الله عليه وسلم. حكاه أبو حيان وحسنه الزمخشري. قوله تعالى؟: ﴿فَأَتَـ؟هُمُ ؟للَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ﴾. أتى: تأتي لعدة معان، منها بمعنى المجيء، ومنها بمعنى الإنذار، ومنها بمعنى المداهمة.
وقد توهم الرازي أنها من باب الصفات، فقال: المسألة الثانية قوله: ﴿فَأَتَـ؟هُمُ ؟للَّهُ﴾، لا يمكن إجراؤه على ظاهره باتفاق جمهور العقلاء، فدل على أن باب التأويل مفتوح، وإن صرف الآيات عن ظواهرها بمقتضى الدلائل العقلية جائز ا هـ.
وهذا منه على مبدئه في تأويل آيات الصفات، ويكفي لرده أنه مبني على مقتضى الدلائل العقلية، ومعلوم أن العقل لا مدخل له في باب صفات الله تعالى، لأنها فوق مستويات العقول ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ ؟لسَّمِيعُ ؟لْبَصِيرُ﴾ ولا يحيطون به علماً سبحانه وتعالى.