فذكر المهاجرين بالجهاد بالمال والنفس، وذكر معهم الأنصار بالإيواء والنصر، ووصف الفريقين معاً بولاية بعضهم لبعض، وأثبت لهم معاً حقيقة الإيمان ﴿أُولَـ؟ئِكَ هُمُ ؟لْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾، أي الصادقون في إيمانهم، فاستوى الأنصار مع المهاجرين في عامل النصرة وفي صدق الإيمان.
وفي قوله تعالى؟: ﴿وَ؟لَّذِينَ تَبَوَّءُوا ؟لدَّارَ وَ؟لإِيمَـ؟نَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى؟ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ وصف شامل للأنصار، تبوءوا الدار: أي المدينة، والإيمان من قبلهم: أي بيعة العقبة الأولى والثانية من قبل مجيء المهاجرين، بل ومن قبل إيمان بعض المهاجرين يحبون من هاجر إليهم ويستقبلونه بصدور رحبة، ويؤثرون غيرهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، لأنهم هاجروا إليهم.
وظاهر النصوص تدل بمفهومها أن غيرهم لم يشاركهم في هذه الصفات، ولكن في الآية الأولى ما يدل لمشاركة المهاجرين الأنصار في هذا الوصف الكريم، وهو الإيثار على النفس، لأن حقيقة الإيثار على النفس هو بذل المال للغير عند حاجته مقدماً غيره على نفسه، وهذا المعنى بالذات سبق أن كان من المهاجرين أنفسهم المنصوص عليه في قوله تعالى؟: ﴿لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـ؟جِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـ؟رِهِمْ وَأَمْوَ؟لِهِمْ﴾ فكانت لهم ديار، وكانت عندهم أموال وأخرجوا منها كلها، فلئن كان الأنصار واسوا إخوانهم المهاجرين ببعض أموالهم، وقاسموهم ممتلكاتهم، فإن المهاجرين لم ينزلوا عن بعض أموالهم فحسب، بل تركوها كلها. أموالهم وديارهم وأولادهم وأهلهم، فصاروا فقراء بعد إخراجهم من ديارهم وأموالهم. ومن يخرج من كل ماله ودياره ويترك أهله وأولاده، لا يكون أقل تضحية ممن آثر غيره ببعض ماله، وهو مستقر في أهله ودياره، فكأن الله عوضهم بهذا الفيء عما فات عنهم.