وقد ذكر ابن كثير رحمه الله: أنه ﷺ قال للأنصار ما يشعر بهذا المعنى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم" فقالوا يا رسول الله: أموالنا بيننا قطائع الحديث.
أي أن الأنصار عرفوا ذلك للمهاجرين، وعليه أيضاً، فقد استوى المهاجرون مع الأنصار في هذا الوصف المثالي الكريم، وكان خلقاً لكثيرين منهم بعد الهجرة كما فعل الصديق رضي الله عنه حين تصدق بكل ماله فقال له، رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقال رضي الله عنه: أبقيت لهم الله ورسوله. وكذلك عائشة الصديقة رضي الله عنها. حينما كانت صائمة وليس عندها سوى قرص من الشعير وجاء سائل فقالت لبريرة: ادفعي إليه ما عندك، فقالت: لها: ليس إلا ما ستفطرين عليه، فقالت لها: ادفعيه إليه، ولعلها أحوج إليه الآن، أو كما قالت.
ولما جاء المغرب أهدى إليهم رجل شاة بقرامها ـ وقرامها هو ما كانت العرب تفعله إذا أرادوا شواء شاة طلوها من الخارج بالعجين حفظاً لها من رماد الجمر ـ فقالت لبريرة: كلي، هذا خير من قرصك.
وكما فعل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تصدق بالعير وما تحمله من تجارة حين قدمت، والرسول ﷺ يخطب يوم الجمعة فخرج الناس إليها.
فعلى هذا، كان مجتمع المدينة في عهده ﷺ مجتمعاً متكافلاً بعضهم أولياء
بعض، وقد نوَّه ﷺ في قصة غنائم حنين بفضل كلا الفريقين في قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار".
ومن بعده عمر رضي الله عنه قال: وأوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم كرامتهم. وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوأوا الدار والإيمان، من قبل أن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم.