ثم كان هذا خلق المهاجرين والأنصار جميعاً، كما وقع في وقعة اليرموك، قال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي، ومعي شيء من الماء وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته، فإذا أنا به فقلت له: أسقيك؟ فأشار برأسه أن نعم، فإذا أنا برجل يقول: آه آه، فأشار إلي ابن عمي أن أنطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت أسقيك؟ فأشار أن نعم، فسمع آخر يقول آه آه. فأشار هشام أن أنطلق إليه فجئته، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
وكان منهج الخواص من بعدهم، كما نقل القرطبي عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ، قدم علينا حاجاً فقال لي: ما حد الزهد عندكم؟ فقلت: إن وجدنا أكلنا، وإن فقدنا صبرنا، فقال: هكذا كلاب بلخ عندنا. فقلت: وما حد الزهد عندكم؟ قال: إن فقدنا شكرنا وإن وجدنا آثرنا.
وفي قوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى؟ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾. الإيثار على النفس: تقديم الغير عليها مع الحاجة، والخصاصة: التي تختل بها الحال، وأصلها من الاختصاص، وهو الانفراد في الأمر. فالخصاصة الأنفراد بالحاجة أي ولو كان بهم فاقة وحاجة. ومنه قول الشاعر: أما الربيع إذا تكون خصاصة عاش السقيم به وأثرى المقتر
وهل يصح الإيثار من كل إنسان ولو كان ذا عيال أو تلزمه نفقة غيره أم لا؟ وما علاقته مع قوله: ﴿وَيَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ؟لْعَفْوَ﴾؟.
والجواب على هذا كله في كلام الشيخ رحمه الله على قوله تعالى؟: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَـ؟هُمْ يُنفِقُونَ﴾ في أول سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon