وهنا احتمال آخر، وهو لا يستوي أصحاب النار في النار ولا أصحاب الجنة في الجنة، فيما هم فيه من منازل متفاوتة كما أشار إليه أبو حيان عند قوله تعالى؟: ﴿وَلاَ تَسْتَوِى ؟لْحَسَنَةُ وَلاَ ؟لسَّيِّئَةُ﴾، ولكن عدم وجود اللام هنا يجعله أضعف احتمالاً، وإلا لقال: لا يستوي أصحاب النار، ولا أصحاب الجنة، وهذا المعنى، وإن كان واقعاً لتفاوت درجات أهل الجنة في الجنة، ومنازل أهل النار في النار، إلا أن احتماله هنا غير وارد، لأن آخر الآية حكم على مجموع أحد الفريقين، وهم أصحاب الجنة أي في مجموعهم كأنه في مثابة القول: النار والجنة لا يستويان، فأصحابهما كذلك.
وقد نبه أبو السعود على تقديم أصحاب النار، في الذكر على أصحاب الجنة بأنه ليبين لأول وهلة أن النقص جاء من جهتهم كما في قوله: ﴿هَلْ يَسْتَوِى ؟لاٌّعْمَى؟ وَ؟لْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ؟لظُّلُمَـ؟تُ وَ؟لنُّورُ﴾ ا هـ.
وبيان ذلك أن الفرق بين المتفاوتين في الزيادة والنقص، يمكن اعتبار التفاوت بالنسبة إلى النقص في الناقص، ويمكن اعتباره بالنسبة إلى الزيادة في الزائد. فقدم الجانب الناقص ليبين أن التفاوت الذي حصل بينهما، إنما هو بسبب النقص الذي جاء منهما لا بسبب الزيادة في الفريق الثاني، والنتيجة في ذلك عدم إمكان جانب النقص الاحتجاج على جانب الزيادة، وفيه زيادة تأنيب لجانب النقص، وفي الآية إجمال أصحاب النار وأصحاب الجنة.
ومعلوم أن كلمة أصحاب تدل على الاختصاص، فكأنه قال: أهل النار وأهل الجنة المختصون بهما.
وقد دل القرآن أن أصحاب النار هم الكفار كما قال تعالى ﴿وَ؟لَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـ؟تِنَآ أُولَـ؟ئِكَ أَصْحَـ؟بُ ؟لنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـ؟لِدُونَ﴾.