وهل يُحمد على الذَّات والصِّفات اللازمة لها ؟ فيه خلافٌ:
فمن النَّاس من قال: يُمدَحُ عليه ولا يُحمد، ذكره الرَّازيُّ في «تفسيره»، والصَّحيح أنَّه يُحمد عليها أيضًا، لأنّه مرجعُ الحمد وَفيها يجتمع، ولأنَّ تنعُّم العباد بما يتعلَّق بالذَّاتِ أعظمُ من تنعُّمِهم بالمخلوقات في الدُّنيا بالمعرفة والذِّكر والمحبَّة، وفي الآخرة بالرُّؤية والنَّظر، وقد قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ ﴾ [الإسراء: ١١١[، فهذا أمرٌ بالحمد له على صفات كمالِه من وَحدَانيّتِهِ وصَمديّتِهِ.
وقولُه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾، الألفُ واللامُ فيه:
قيل: للعَهدِ، أي: الحمدُ المعهودُ.
وقيل: لتعريف الجنس، أي: مُطلقُ الحمد، وهو ضعيفٌ.
وقيل: للاستغراق، قاله أبو جَعفر الباقِرُ وغيره، وهو أصحُّ، وفي الأثر: «اللهمّ لك الحمدُ كلُّه»، وفي دُعاءِ القنوت: «ونثني عليك الخيرَ كلَّه»، وقوله: «لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك».
فإن قيل: فإذا كان الحمدُ كلُّهُ لله، فكيفَ يُحمد غيرُه من خلقه، والنبيُّ - ﷺ -: (محمَّد)، وهو مُفعّل مِنَ الحمد ؟ قيل: عنه ثلاثة أجوبة:
أحدُها: أنَّ الحمدَ كلَّه لله، بمعنى: أنَّه هُوَ المستحِقُ للحمد، وهو الحامد لما يَشاءُ مِن خَلْقِه، فلا يُحمد إلا من حَمِدَهُ هو، فحمدُ بعضِ مخلوقاتِه إنما هو بحمدِه له، فلا يخرجُ ذلك كون الحمد كلّه له، لكن تارةً باعتبار أنَّه يُحمد، وتارةً باعتبار أنه يَحمد.
والثَّاني: أنَّ كون الحمد كلّه له لا يُنافي أن يحمد غيرُه من خَلْقِه ببعضِ أنواع الحمد.
والثَّالث: أنَّ حمد غيرِه بالنِّسبة إلى حمدِه كلا حمد، فلذلك حُصِرَ الحمدُ في حقِّه سُبحانه، فصَارَ الحمدُ كلُّهُ له.


الصفحة التالية
Icon