قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾. أي طبعَ على قلوبهم ؛ والختمُ والطبعُ بمعنى واحدٍ ؛ وهو التغطيةُ للشيء. والمعنى طبعَ الله على قلوبهم ؛ أي أغلَقها وأقفلَها ؛ فليست تفقهُ خيراً ولا تفهمهُ. ﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ فلا يسمعون الحقَّ ولا ينتفعون به، وإنَّما وحَّدهُ وقد تخللَّ بين جمعين ؛ لأنه مصدرٌ ؛ والمصدرُ لا يُثنى ولا يُجمع. وقيل : أراد سَمْعَ كلِّ واحدٍ منهم كما يقالُ : أتانِي برأسِ كَبشَين ؛ أرادَ برأس كلِّ واحد منهما. وقال سيبويه :(تَوْحِيْدُ السَّمْعِ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ ؛ لأَنَّهُ تَوَسَّطَ جَمْعَيْنِ) كقولهِ تعالى :﴿ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾[البقرة : ٢٥٧] وقولهِ تعالى :﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ﴾[المعارج : ٣٧] يعني الأنوارُ والإيْمانُ ؛ وقرأ ابنُ عَبْلَةَ :﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾.
وتَمَّ الكلام عند قولهِ :﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ﴾ ثُم قالَ :﴿ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ﴾. أي غطاءٌ وحجابٌ فلا يَرَوْنَ الحقَّ. وقرأ المفضَّلُ بن محمَّدٍ :(غِشَاوَةً) بالنصب ؛ كأنه أضمرَ فعلاً أو جملةً على الختم ؛ أي خَتَمَ على أبصارهم غِشاوةً، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾[الجاثية : ٢٣]. وقرأ (غُشَاوَةً) بضمِّ الغَين. وقرأ الجُحْدَريُّ :(غَشَاوَةً) بفتح الغَين. وقرأ أصحابُ عبدِالله :(غَشْوَةً) بفتح الغين بغيرِ ألِفٍ. ومن رفعَ (غِشَاوَةٌ) فعلَى الابتداءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ﴾، يعني القتل والأسرُ. وقال الخليلُ :(العَذَابُ مَا يَمْنَعُ الإنْسَانَ مِنْ مُرَادِهِ). وقيل : هو إيصالُ الألَمِ إلى الحيِّ مع الْهَوَانِ بهِ ؛ ولِهذا لا يُسمَّى ما يفعلُ اللهُ بالبهائم والأطفالِ عذاباً ؛ لأنه لَيسَ على سبيل الْهَوانِ.


الصفحة التالية
Icon