قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ ؛ روي أنَّهم كانوا بعدَ قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً ﴾[النساء : ١٩] إذا رَضِيَتِ المرأةُ أمسكَها وَلِيُّ الميتِ، وبرضَاها على حكمِ النِّكاح، فإذا سَخِطَتْ تَرَكَهَا فحرَّم اللهُ ذلك عليهم بهذه الآية. ومعنَاها : لاَ تَزَوَّجُوا ما تَزَوَّجَ آبَاؤُكم من النساءِ، ويقال : لاَ تَطَأُواْ ما وَطِئ آباؤُكم.
واسمُ النِّكَاحِ يقعُ على العقدِ والوطئ جميعاً. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ معناه إلا ما قد سلف في الجاهليَّة من نكاحِ منكوحةِ الأب كان ذلك مَعْفُوّاً لكُم لا تؤاخَذُون به. وقال قُطْرُبُ :(هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ؛ تَقْدِيْرُهُ : لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ فَدَعُوهُ فَاجْتَنِبُوا).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً ﴾ ؛ يعني أنَّ نكاحَ امرأةِ الأب كان فاحشةً فيما سلفَ ؛ لأنَّهم كانوا يسمُّونه في الجاهليِّةِ (نِكَاحَ الْمَقْتِ) وكان المولودُ يقال له الْمَقْتِيُّ، فأعلَمَهُم اللهُ تعالى أنَّ هذا الذي حَرَّمَ عليهم لم يزل مُنْكَراً في قلوبهم مَمْقُوتاً عندَهم، وَالْمَقْتُ : هُوَ الْبُغْضُ عَلَى أمْرٍ قَبيْحٍ رَكِبَهُ صَاحِبُهُ، وقيل الْمَقْتُ : هُوَ أشَدُّ الْبُغْضِ، والفاحشةُ اسمٌ لِما يرتفعُ ذكر قَبيحَتِهِ فيما بين الناس. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ ؛ أي نكاحُ امرأةِ الأب طريقُ سوءٍ ؛ لأنه يؤدِّي إلى جهنَّمَ، و ﴿ سَبِيلاً ﴾ ؛ نُصِبَ على التمييزِ.


الصفحة التالية
Icon