قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾ ؛ أي لاَ تُفْسِدُوا فيها بالشِّرْكِ والمعصيَةِ بعدَ إصلاحِ اللهِ إيَّاها ببعثِ الرُّسُلِ إليها، فأمَرُوا فيها بالحلالِ ونَهَوا عن الحرام، فَتَصْلُحُ الأرضُ بالطَّاعَةِ. وَقِيْلَ : معناهُ : لا تَعْصُوا في الأرضِ فيُمْسِكَ اللهُ المطرَ عنها، ويهلكَ الحرثَ بمعاصيكُم. وَقِيْلَ : معناهُ : لا تَجورُوا في الأرضِ فتخرِّبوها ؛ لأنَّ الأرضَ قامت بالعدل، وقد أصلحَها اللهُ بالنِّعمةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ ؛ أي وَاعْبُدُهُ خائفينَ من عذابهِ ؛ طامعينَ في رحمتهِ وثوابه. وقال الربيعُ :﴿ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ أي رَغَباً وَرَهَباً. وقال ابنُ جريج :(خَوْفُ الْعَدْلِ وَطَمَعُ الْفَضْلِ). وقال عطيَّةُ :(خَوْفاً مِنَ النِّيْرَانِ وَطَمَعاً فِي الْجِنَانِ). وقال ذُو النون المصريُّ :(خَوْفاً مِنَ الْفِرَاقِ وَطَمَعاً فِي التَّلاَقِ).
قََوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ؛ معناهُ : إنَّ إنْعَامَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحٍْسِنينَ. ويقالُ : إنَّ الْمُحْسِنَ مَن أخلصَ حسناتِهِ من الإساءةِ. وإنَّما قال :(قريبٌ) ولم يقل : قريبةٌ ؛ لأنَّ الرحمةَ والعَفْوَ والغفرانَ في معنىً واحدٍ، وما لم يكن فيه تأنيث حقيقيٌّ كنتَ بالخيار، إن شئتَ ذكَّرْتَهُ وإن شئتَ أنَّثْتَهُ.
وقال ابنُ جبيرٍ :(الرَّحْمَةُ هُنَا الثَّوَابُ. وقال الأخفشُ :(هِيَ الْمَطَرُ). فيكون القريبُ نعتاً للمعنى دون اللفظِ كقوله :﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ ﴾[النساء : ٨] ولم يقل : مِنْهَا ؛ لأنُ أرادَ بالقسمةِ الميراثَ والمالَ، وكذلك قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ ﴾[يوسف : ٧٦]، والصَّاعُ مُذكَّرٌ إلاَّ أنه أرادَ به السرقة والسِّقايةَ. وقال الكسائيُّ :(أرَادَ إنَّ إتْيَانَ رحْمَةِ اللهِ قَرِيْبٌ، كقولهِ :﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾[الأحزاب : ٦٣] ؛ أي لَعَلَّ إتْيَانَهَا قَرِيْبٌ).


الصفحة التالية
Icon