قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ ؛ قرأ عاصم (بُشْراً) بالباءِ المضمومةَ والشِّين الَمَجْزُومَةِ ؛ يعني أنه يَنْشُرُ بالمطرِ، يدلُّ عليه قَوْلَهُ :﴿ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ ﴾[الروم : ٤٦]. وقرأ (بُشُراً) بضمِّ الباءِ والشِّين على جمعِ (بُشُر) ؛ مثل نُذُرٍ ونَذِيْرٍ. وقرأ ابنُ عامرٍ :(نُشُراً) بالنون المضمُومة وإشكال الشِّينِ. وقرا حمزةُ والكسائيُّ :(نَشْراً) بالنونِ المفتوحة، وحزمِ الشِّين على التخفيفِ. وقرأ مسروقٌ :(نَشَراً) بفتحتين ؛ أراد مَنْشُوراً. وقرا نافعٌ وابنُ كثيرٍ وأبو عمرٍو :(نُشُراً) بالنون المضمومة وضَمِّ الشِّين.
وقرأ بعضُهم :(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيْحَ) بلفظ الوِحْدَانِ. واختارَ أبو عُبيد لفظَ الجماعةِ، وكان يقولُ :(كُلُّ مَأ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الرِّيَاحِ ذكَرٌ فَهُوَ لِلرَّحْمَةِ، وَمَا كانَ مِنْ ذِكْرِ الرِّيَاحِ أنْثَى فَهُوَ لِلْعَذابِ). و احتجَّ بمَا رويَ عن النبيُّ ﷺ أنهُ كان يقولُ إذا هبَّتْ ريْحٌ :" اللَّهُمَ اجْعَلْهَا ريَاحاً، وَلاَ تَجْعَلْهَا ريْحاً ".
والنَّّشْرُ : جمع النَّشُور ؛ وَهِيَ الرِّيَاحُ الَّتِي تَهُبُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ؛ فَتُثِيرُ السَّحَابَ كَصَبُورٍ وَصَبْرٍ. ومن قرأ (نُشْراً) بضمَّةٍ واحدةٍ فللتخفيفن كما يقالُ : رُسُلٌ ورُسْلٌ. ومن قرأ (نَشْراً) بنصب النون على معنى نَنْشُرُ السَّحابَ نَشْراً. والنَّشْرُ خِلاَفُ الطَّيِّ كَنَشْرِ الثَّوْب بَعْدَ طَيِّهِ، قال الفرَّاءُ :(النَّشْرُ مِنَ الرِّيَاحِ : الطَّيْبَةُ اللَّيِّنَةُ الَّتِي تُنْشئُ السَّحَابَ). ومن قرا (بُشْراً) بالباءِ والضمِّ ؛ فهو جمعُ بَشِيْرٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ أي قُدَّامَ الْمَطَرِ، وَقَوْلُهٌُ تَعَالَى :﴿ حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ ﴾ ؛ أي سُقْنَا السَّحابَ بأمرِ اللهِ إلى أرضٍ ليس فيها نباتٌ، قال ابنُ عبَّاس :(يُرْسِلُ اللهُ الرِّيَاحَ فَتَحْمِلُ السَّحَابَ، فَتَمُرُّ بهِ كَمَا يَمُرُّ الرَّجُلُ النَّاقَةَ وَالشَّاةَ حَتَّى تُدِرَّ ثُمَّ تُمْطِرَ، فَيَخْرُجُ بالْمَطَرِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ ﴾ أو لأَحْيَا بلداً مَيِّتاً لا نباتَ فيه. وَقِيْلَ : لا تُمطر السَّماءُ حتى يُرْسِلَ اللهُ أربعةَ أرياحٍ : فَالصَّبَا تُهَيِّجُهُ، والشِّمَالُ تَجْمَعُهُ، والجنوبُ تَذْرُّوهُ، والدُّبُورُ تَصْرِفُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ ﴾ ؛ أي بالسَّحَاب، وَقِيْلَ : بالبلدِ المِّيتِ الذي لا ماءَ فيه ولا كَلأَ، يَنْزِلُ اللهُ به المطرَ، ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾ ؛ أي فيخرجُ به ألْوَانَ ؛ ﴿ كَذالِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى ﴾ ؛ أي مِثْلَ ذلكَ الإخراجِ الذي ذكرناهُ في إحياءِ الأرض الميِّتة، كَذلِكَ نُخْرجُ الْمَوْتَى من قُبُورهِمْ يومَ القيامةِ، ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾ بما ينالُكم، ﴿ تَذَكَّرُونَ ﴾ ؛ أي تَستَدِلُّونَ على توحيدِ الله وأنهُ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُور.
وقال ابنُ عبَّاس وأبُو هُرِيْرةَ :(إذا مَاتَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي النَّفْخَةِ الأُوْلَى، مُطِرَتِ السَّمَاءُ أرْبَعِينَ يَوْماً قَبْلَ النَّفْخَةِ الأَخِيْرَةِ مِثْلَ مَنِيِّ الرِّجَألِ، فَيَنْبتُونَ مِنْ قُبُورهِمْ مِنْ ذلِكَ الْمَطَرِ كَمَا يَنْبتُونَ فِي بُطُون أمَّهَاتِهِمْ، وَكَمَا يَنْبُتُ الزَّرْعُ مِنَ الْمَاءِ، حَتَّى إذا اسْتُكْمِلَتْ أجْسَادُهُمْ نُفِخَ فِيْهَا الرُّوحَ، ثُمَّ يُلْقِي عَلَيْهِمْ نوْمَةً فَيَنَامُونَ فِي قُبُورهِمْ، فَإذا نُفِخَ فِي الصُّور النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ - وَهِيَ نَفْخَةُ الْبُوقِ - جَلَسُوا وَخَرَجُوا مِنْ قُبُورهِمْ، وَهُمْ يَجِدُونَ طَعْمَ النَّوْمِ فِي رُؤُسِهِمْ، كَمَا يَجِدُ النَّائِمُ إذا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، فَعِنْدَ ذلِكَ يَقُولُونَ : يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا. فَيُنَادِيْهِمْ : هَذا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمَرْسَلُونَ).