وقوله :﴿ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا ﴾ ؛ أي قالَ الرُّؤساء والأشرافُ الذين كفَروا من قوم نوحٍ : ما نراكَ يا نوحُ إلا بَشَراً مثلَنا في الصورةِ والخفَّة، فلِمَ صِرْتَ أولى أن تكون نَبيّاً وَسُولاً للهِ منَّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾ ؛ ما نراكَ آمَنَ بكَ إلاّ الذين هم أسَافِلُنا وأخَسُّنا، قال ابنُ عبَّاس :(يُرِيدُونَ الْمَسَاكِينَ الَّذِينَ لا عُقُولَ لَهُمْ وَلاَ شَرَفَ وَلاَ مَالَ) والرَّاذِلُ الدُّونُ من كلِّ شيءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ ؛ أي مَن قرأ (بَادِئَ) بالهمزِ فمعناهُ : أنَّهم اتَّبعوكَ بأوَّلِ الرأيِ من دون تفكُّر ونظرٍ، مِن قولهم : بَدَأتُ الأَمْرَ ؛ أي ابتدأتهُ، ويجوزُ أن يكون المعنى : بَادِيَ الرؤيةُ ؛ أي بأوَّل ما تقعُ الرؤية عليهم يعلمُ أنَّهم أراذِلُنا، وقد يكون الرأيُ بمعنى الرُّؤيةِ. قَالَ : الله تَعَالَى :﴿ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾[آل عمران : ١٣] أي رُؤيةَ العينِ : ومن قرأ (بَادِيَ) بغير همزٍ فمعناه : ظاهرَ الرأيِ وهم يعرِفون الظاهرَ ولا تمييزَ لَهم.
ويجوزُ أن يكون معناه : اتَّبعوكَ في الظاهرِ، وباطنُهم على خلافِ ذلك. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ ﴾ ؛ أي ما نرَى لكَ ولقومِكَ علينا من فَضْلٍ، فإنّ الفضلَ يكون بكثرةِ المال، وشرفِ النَّسب والمَنْزِلة في الدُّنيا، ﴿ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ ؛ فيما تقولونَهُ على اللهِ، وفيما تدْعُون إليه.