قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي أُنَاسٍ مِنْ بنِي أسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، أصَابَتهُمْ سَنَةٌ شَدِيْدَةٌ فَأَجْدَبُوا فِيْهَا، فَمَضَوا بعِيَالِهِمْ إلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ إلَى الْمَدِيْنَةِ مُهَاجِرِيْنَ، فَكَانُواْ إذا أُعْطُواْ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَأصَابُواْ خَيْراً اطْمَأَنُّواْ بذلِكَ وَفَرِحُواْ بهِ، وَإنْ أصَابَهُمْ وَجَعٌ وآفَةٌ، وَوَلَدَتْ نِسَاؤُهُمُ الْبَنَاتِ، وَتَأَخَّرَتْ عَنْهُمُ الصَّدَقَةُ، قَالُواْ : مَا أصَابَنَا مُذْ كُنَّا عَلَى هَذا الدِّيْنِ إلاَّ شَرٌّ، فَيَنْقَلِبُ عَنْ دِيْنِهِ، وَذلِكَ الْفِتْنَةُ).
ومعنى الآيةِ ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ﴾ أي على ضَعْفٍ في العبادةِ، لضَعْفِ القيامِ على الأحْرُفِ لا يدخلُ في الدِّين على ثباتٍ وتَمَكُّنٍ. وَقِيْلَ : معناهُ : على شَكٍّ كأنه قائمٌ على حَرْفِ جدارٍ وطرفِ جَبَلٍ، لا يدخلُ في الدِّين على ثباتٍ ويقين وطُمأنينة، فهو كالمضطرب على شفا جُرْفٍ، ﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ﴾ ؛ رخاءً وعافية وسعة، ﴿ اطْمَأَنَّ بِهِ ﴾ على عبادةِ الله بذلك الخيرِ، ﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ﴾ ؛ أي مِحْنَةُ تَضْييقِ الْعَيْشِ ونحوِ ذلك، ﴿ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ ؛ أي رَجَعَ إلى دينه الأوَّل وهو الشِّرْكُ باللهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالأَخِرَةَ ﴾ ؛ أي خَسِرَ في الدُّنيا العِزَّ والغنيمة، وفي الآخرة الجنَّةَ، ﴿ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ ؛ أي الظاهرُ. قرأ الأعرجُ ويعقوبُ :(انْقَلَبَ عَلَى وَجْههِ خَاسِراً الدُّنْيَا والآخِرَةِ) بالألف (وَالآخِرَةِ) بالخفض، ونَصَبَ (خَاسِرَ) على الحالِ.