قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ؛ أي اللهُ هادِي أهلِ السَّموات وأهلِ الأرض بالآياتِ المبيِّنات، لا هاديَ فيهما غيرهُ، فبنُورهِ الخلقُ يهتدونَ، وبهداهُ من الضَّلالةِ يَنْجُونَ، فلا يهتدي مَلَكٌ مقرَّبٌ ولا نبيٌّ مرسل إلاّ بهداهُ.
وقال الضحَّاكُ :(مَعْنَاهُ اللهُ مُنَوِّرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، وقال مجاهدُ :(مَعْنَاهُ : اللهُ مُدَبرُ الأُمُورِ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، وقال الحسنُ وأبو العاليةِ :(اللهُ مُزَيِّنُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ)، يعني مُزَيِّنُ السَّموات بالشمسِ والقمر والنُّجومِ، ومُزيِّنُ الأرضِ بالأنبياء والعُلماء والمؤمنينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :(مَثَلُ نُورهِ الَّذِي أعْطَاهُ الْمُؤْمِنِيْنَ)، وقال السديُّ :(مَثَلُ نُورهِ الَّذِي فِي قَلْب الْمُؤْمِنِ)، وكان أُبَيُّ يقرأُ (مَثَلُ نُور الْمُؤْمِنِيْنَ). وَقِيْلَ : كان يقرأ (مَثَلُ نُور مَنْ آمَنَ بهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ ؛ الْمِشْكَاةُ في لغة الحبشة : كُوَّةٌ غَيْرُ نَافِذةٍ، والمصباحُ : هو السِّرَاجُ في القِنْدِيْلِ من الزُّجَاجِ الصَّافِيَةِ. وَقِيْلَ : الْمِشْكَاةُ : عَمُودُ الْقِنْدِيْلِ الذي فيه الفَتِيْلَةُ. وقال مجاهدُ :(هِيَ الْقِنْدِيْلُ)، قال الزجَّاج :(النُّورُ فِي الزُّجَاجِ، وَضَوءُ النَّارِ أبَيْنُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَضَوْؤُهُ يَزِيْدُ فِي الزُّجَاجِ وَيَتَضَاعَفُ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ مَا يُقَابلُهُ مِثْلُهُ).
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ أي سِرَاجٌ، وأصلهُ من الضَّوءِ، ومن ذلك الصُّبْحُ، ورجلٌ صَبيْحُ الوجهِ إذا كان وَضِيئاً، وفرَّقَ قومٌ بين المصباحِ والسِّراج ؛ فقالوا : المصباحُ دونَ السِّراج، والسراجُ أعظمُ من المصباحِ ؛ لأن اللهَ تعالى سَمَّى الشمسَ سِرَاجاً، وقال في غيرِها من الكواكب﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ﴾[الملك : ٥].
ثُم وصفَ اللهُ الزجاجةَ التي فيها المصباحِ ؛ فقالَ :﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ ؛ شبَّهَ القنديلَ الذي يكونُ فيه السِّراجُ بالكوكب الدُّرِّيِّ ؛ وهو النجمُ الْمُضِيْءُ، ودَرَاري النُّجومِ كبارُها، وقولهُ ﴿ دُرِّيٌّ ﴾ نسبةً إلى أنه كالدُّرِّ في صفائهِ وحُسْنِهِ، كأنَّ الكوكب دُرَّةٌ بيضاءُ.
قرأ أبو عمرٍو والكسائيُّ :(دِرِّئٌ) بكسرِ الدال مهموزٌ مَمدود ؛ وهو فِعِّيْلٌ من الدَّرْءِ بمعنى الدَّفعِ، يقالُ : دَرَءَ يَدْرَأ إذا دَفَعَ، فكأنه تَلأْلُؤٌ يدفعُ أبصارَ الناظرين إليه. ويقالُ : كأنه رَجَمَ به الشياطينَ فدرأهُم ؛ أي دفَعَهم بسرعةٍ في الانقضاضِ، وذلك أضْوَءُ ما يكونُ.
وقرأ حمزةُ وأبو بكر : مضمومةُ الدالِ مهموزٌ مَمدود، قال أكثرُ النُّحاة : هو لَحْنٌ ؛ لأنه ليسَ في كلامِ العرب، فقيل بضمِّ الفاء وكسر العينِ، وأنكرَهُ الفرَّاءُ والزجَّاج وأبو العباسِ، وقال :(هَذا غَلَطٌ ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَب شَيْءٌ عَلَى هَذا الْوَزْنِ). وقرأ الباقون بضمِّ الدالِ وتشديد الياءِ من غير همزٍ، فنسبوهُ إلى الدُّرِّ في صفائه وبَهائهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ ؛ فيه أربعُ قراءاتٍ، قرأ نافع وابن عامر : بياءٍ مضمومة يعنونَ المصباحَ، وقرأ حمزةُ والكسائي وخلف : بتاءٍ مضمومة يعنون الزُّجاجةَ، وقرأ أبو عمرٍو :(تَوَقَّدَ) بالتاء وفتحها وفتح الواو مشدَّدة بمعنى الماضِي، وقرأ ابنُ محيصن : بتاءٍ مفتوحة وتشديد القاف مثل قراءةِ أبي عمرٍو إلاّ أنه رفعَ الدالَ بمعنى الفعلِ المستقبل بمعنى : تتوقَّدُ الزجاجةُ.