قَوْلُهُ تعَالَى :﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾ ؛ أي نحن جعَلنا النارَ عِظَةً ليتَّعِظَ بها المؤمنُ. وَقِيْلَ : جعَلناها تَذكِرَةً للنار الكُبرَى ؛ إذا رآهَا الرَّائِي ذكرَ جهنَّم، فذكرَ اللهَ تعالى فاستجارَ به منها، وتركَ المعصيةَ.
وقوله تعالى :﴿ وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾ أي وجعَلناها منفعةً للمُسافِرين الذين ينْزِلون في الأرضِ القَيُّ في المفَاوز، يقالُ : أقوَى الرجلُ إذا نزلَ بالأرضِ القوى وهي الخاليةُ القَفرَاءُ، ويقال : أرضٌ قَيْءٌ أي القفرى، قال الراجزُ : قَيٌّ يُنَاصِيهَا بلاَدٌ قَيُّ والقَيُّ والقَوَى هي الأرضُ القَفْرَى الخاليةُ البعيدةُ من العِمرَانِ، يقالُ : أقْوَتِ الأرضُ مِن سُكَّانِها، قال النابغةُ : يَا دَارَ مَيَّةَ بالْعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ أقْوَتْ وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَمَدِومنفعةُ المسافرِين بالنار أكثرُ من منفعةِ المقيمين ؛ لأنَّهم يُوقِدونَها ليلاً لتَهرُبَ منها السبِّاعُ، ويهتَديها الضالُّ من الطريقِ، ويستَضِيئوا بها في ظُلمَةٍ، ويصطلوا بها من البردِ ويطبخون بها ويخبزُوا، وضررُ فَقِدها عليهم أشدُّ. وقد يقالُ للذي فقدَ زادَهُ : الْمُقْوِي من أقْوَتِ الدارُ إذا خَلَتْ، ويقالُ للمُقْوِينَ : مُقوٍ لِخُلُوِّهِ من المالِ والغِنَى، مُقْوٍ لقُوَّتهِ على ما يريدُ، فعلَى هذا الْمُقْوِي من الأضدادِ، والمعنى : متَاعاً للغنيِّ والفقيرِ، وذلك أنه لا غِنَى لأحدٍ عنها.
ولَمَّا ذكرَ اللهُ سبحانَهُ ما يدلُّ على توحيدهِ وما أنعمَ به، فقالَ تعالى :﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ ؛ أي بَرِّئِ اللهَ مما يقولُ الظَّالمون في وصفهِ ونَزِّهْهُ عمَّا لا يليقُ به. وفي الحديثِ :" لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ ﷺ :" اجْعَلُوهَا فيِ رُكُوعِكُمْ " ".


الصفحة التالية
Icon