عاقبة اتباع خطوات الشيطان
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١] هذا هو المقطع الثاني من الآية الكريمة، بيَّن الله تبارك وتعالى فيه عاقبة من اتبع سبيل الشيطان، وأطاعه في اتباع تلك الخطوات، بيَّن العاقبة التي ينتهي إليها في الدنيا، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١].
(فَإِنَّهُ) أي: الشيطان.
(يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) وهي: جمع فاحشة، والفحشاء: المراد بها الفاحشة، وقد تطلق على القول الذي لا يحبه الله تبارك وتعالى، وقد تطلق على الفعل: فمن إطلاقها على الفعل: قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء: ٣٢] فأخبر سبحانه وتعالى أن الزنا فاحشة مع أن الزنا فِعْل من الأفعال، فهذا من إطلاق لفظ: (الفاحشة) على الفعل.
ومن إطلاق الفاحشة على القول: قول عائشة رضي الله عنها: (إن النبي ﷺ لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً) صلوات الله وسلامه عليه، أي: ما كان ليقول أو يفعل ما لا خير فيه.
وقوله تعالى (وَالْمُنْكَرِ) : المنكر ضد المعروف، وهو ما أنكره الله تبارك وتعالى في كتابه، وأنكره رسوله ﷺ في سنته، والمنكر وُصِف بذلك لما فيه من النكارة وهي كل ما لا يحبه الله ويرضاه فإذا فعل العبد ما حرم الله عليه فإنه قد أصاب منكراً؛ لأنه من أعظم ما يكون جريمة أن يعصي العبد ربه، فبمعصيته لمن خلقه ورزقه، وأطعمه وكساه كان بذلك مرتكباً لأمرٍ منكر لا يحبه الله ولا يرضاه.
يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ) أي: الشيطان.
أما الفائدة الثانية: أن الآية فيها منهجٌ تربوي لمن أراد أن يعلِّم أو يربِّي غيره، ذلك أن الله تبارك وتعالى نهى العباد عن متابعة الشيطان، وذكر عاقبة مَن اتبع الشيطان، قال بعض العلماء: ذكر عاقبة من اتبع الشيطان أبلغ في زجر الناس عن متابعة الشيطان، بمعنى إذا أراد الإنسان أن ينهى صبياً أو يعلم جاهلاً فإنه ينبغي له أن يجمع في النهي بين أمرين: الأمر الأول: أن يحدد له الشيء الذي ينهاه عنه.
والأمر الثاني: أن يبين له عاقبة الشيء الذي نهاه عنه.
فذلك أبلغ في التربية والتوجيه والتعليم.
وقد اشتملت الآية الكريمة على كِلا الأمرين، فحذرنا الله تبارك وتعالى عن اتباع سبيل الشيطان، وأخبرنا عن العاقبة التي ينتهي إليها كل من اتبعه وسار على نهجه وارتضاه، فقال: (فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) هذا الأمر الذي يوجهه الشيطان إلى الإنسان إنما يوجهه بالوسوسة، فهي سبيل الشيطان للإنسان، ولذلك إذا وقف الإنسان أمام معصية من المعاصي وجد في نفسه دعوة تدعوه إلى تلك المعصية، وهي لَمَّة الشيطان والعياذ بالله، ووجد في نفسه ما يزجره عن فعل تلك المعصية وهي لَمَّة الخير التي جعلها الله عز وجل للمَلَك، ولذلك يعيش الإنسان بين اللَّمَّتين: منهما: لَمَّة الشيطان كما بين النبي ﷺ ذلك بقوله: (فإن للشيطان لَمَّة، وللمَلَك لَمَّة، فأما لَمَّة الشيطان: فتسويف بالخير وإيعاد بالشر، وأما لَمَّة المَلَك: فنهي عن الشر وإيعاد بالخير)، فهاتان لَمَّتان موجودتان في الإنسان.
وبناءً على ذلك: فكل ما يجده الإنسان في نفسه من الدعوة إلى الحرام ينبغي أن يعلم أنه من الشيطان، وعلاج ذلك بيَّنه الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: ٣٦] فمن أراد أن ينجو من هذه الأوامر التي يسوِّلها الشيطان لأوليائه، فما عليه إلا أن يستعيذ بالله عز وجل، فإنه نعم المولى ونعم النصير.


الصفحة التالية
Icon