ولما كانت هذه الدراسات الثلاث على هذا القدر من السعة، بحيث يصعب الجمع بينها في أطروحة واحدة، بل تحتاج إلى جهود متوالية متضافرة، كل منها تبني وتشيد على ما تقدمها، حتى يكتمل صرح هذا المشروع ويتضح، فقد ارتأيت أن يكون عملي هذا بداية هذا المشروع العلمي الهام وأساسه الأول؛ يلفت الانتباه إليه، وينبه على قيمته العلمية، وينقِّب عن تاريخه، ويعرِّف بمظانه وما
طرقته من جوانبه، ويشرع في الدراسة النظرية لما تيسَّر من مباحثه، وبهذا أكون قد استوفيت الدراستين الأولى ومعظم الثانية على سعتهما أيضا، آملا أن ييسر لي الله تعالى القيام بما تبقى، لتتحقق السعادة باكتمال هذا المشروع.
ثالثا: محتوى البحث
بناء على ما تقدم، يتألف موضوع هذه الدراسة من قسمين رئيسين متضافرين، أفردت كل واحد منهما بباب كامل حتى أوفيهما حقهما من البحث والدراسة، وصدّرتهما بمقدمة: تمهد لهما ببيان خطورة هذا الموضوع، وما يستحقه من العناية والاهتمام، مع شرح لمحتوى هذه الدراسة.
الباب الأول: يعنى بالجانب التاريخي لتفسير القرآن بالقرآن، وبيان وجوه العناية التي حظي بها، ابتداء بتوجيهات القرآن والسنة بهذا الخصوص، وانتهاء ببيان جوانبه التي طرقها كل من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من المصنفين.
ولما كان هذا العرض التاريخي يستغرق رقعة واسعة من تاريخ هذا الفن، يحسن تقسيمها، فقد رأيت أن أقسمها إلى ثلاث مراحل بارزة، جعلت كل واحدة منها موضوع فصل مستقل.
الفصل الأول: تناولت فيه عناية القرآن والسنة بتفسير القرآن بالقرآن، وأوضحت فيه أن العناية بهذا الفن كانت متقدمة جدا في تاريخ التفسير، يتجلى ذلك بوضوح في توجيهات هذين المصدرين الهامين، ووصايتهما به عموم المسلمين وخصوصهم.