أشار القرطبي ـ رحمه الله ـ إلى ملحظ لطيف في هذه الآية وقد سبق أن قلنا علينا أن نتدبر القرآن ونتمعن ما فيه، فلماذا قدم الظن على التجسس ؟
لأن الإنسان إذا ظن ظن السوء سينتقل إلى مرحلة أخرى وهي التجسس ليتأكد ثم بعد التجسس سوف يغتاب ذلك الرجل بذكر معايبه.
ترتيب عجيب في هذه الآية الكريمة هذا الرجل ظن الظن السيء ثم ذهب يتجسس ثم ذهب يغتاب عند الناس ما أعظم كلام الله تعالى، بعضها يجر بعض وكل واحد منها قد ينفرد لا تظن أنها متلازمة ولكن انظر إلى هذا التسلسل العجيب لأن الله هو الخالق لهذا الإنسان وهو العالم كيف تتسلسل في النفس وفيه تنبيه من جانب آخر أنه يجب على الإنسان أن يغلق أبواب الشر على نفسه لأنه إذا فتح باب الظن أنفتح باب التجسس ثم إذا امتلأ القلب بهذه الأمور المنكرة أصبح يفرِّغها في المجالس التي يجلس فيها.
ثم قال سبحانه: ؟ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ؟
الغيبة : فسرها وبيّنها النبي ـ ﷺ ـ وهو أعلم الناس بمراد الله تعالى فقال لما سئل عن الغيبة:﴿ ذكرك أخاك بما يكره ﴾ أي شيء يكرهه وتذكره به فإنه من غيبته قال أهل العلم : سواء في خُلقِه أو في خِلقته أو في عقله أو في أولاده كل ما يكرهه فإنه غيبة.
وهذا يسميه العلماء فائدة الإطلاق لأن النبي ـ ﷺ ـ أطلق فأفاد الشمول لكل شيء يكرهه هذا الرجل، لأن الرسول ـ ﷺ ـ لم يقيده بأمر.
استثنى العلماء أشياء من الغيبة تكون مباحة ويهمنا منها التظلم ونضرب له مثالاً: لو أن امرأة جاءت إلى أبيها وقالت إن زوجي يفعل كذا وكذا مما يكره أن يذكر به أمام الناس ولا يحب أن يطلع عليه أحد ولكن هذه البنت تتظلم لوالدها فهل هذا جائز أم لا ؟ قال أهل العلم : إذا كان التظلم لمن يملك رفع الظلم فإن ذلك ليس من الغيبة.
لو تحدث الإنسان عند من لا يستطيع رفع المظلمة ولكن تحدث من باب التخفيف عن نفسه فهل ذلك جائز ؟