فأجاب الله دعوته، وأمره أن يصنع الفلك برعاية منه وحسن نظر وتعليم من الله له هذه الصنعة التي امتن الله بها على العباد، وصار نوح له الفضل والابتداء بهذه الصناعة التي حصل بها من المنافع الدينية والدنيوية في جميع الأوقات ما لا يعد ولا يحصى، وأخبره الله بتحتم إغراقهم، وأنه لا يخاطب ربه فيهم فإنهم ظالمون، وجعل يصنع الفلك، وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، فقال لهم : إن تسخروا منا اليوم فإنا نسخر منكم إذا وقع الهلاك بكم، وأوحى الله إليه أنه إذا جاء ذلك الوقت وفار التنور، أي : جعلت الأرض كلها تتفجر عيونا من كل جانب حتى المواضع البعيدة عن النار عادة، وأمره أن يحمل من البهائم من كل زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى نسلها ؛ لأنه يتعذر حملها كلها، والحكمة تقتضي إبقاء هذه الحيوانات التي خلقها الله مسخرة لمصالح البشر، ويحمل معه جميع من آمن من رجال ونساء، والحال أنه ما آمن معه إلا قليل، وأمره أن يحمل أهله إلا من سبق عليه القول بالهلاك، فلما أركب جميع من أمر بهم قال لهم : سموا الله كلما جرت وكلما رست ؛ لأن الأسباب مهما عظمت فهي من لطف الله، ولا تمام لها إلا بالله.