فيها ما تقدم في قصة نوح من الفوائد المشتركة بين الرسل، ومنها أن الله بحكمته يقص علينا نبأ الأمم المجاورين لنا في جزيرة العرب وما حولها ; لأن القرآن يذكر أعلى الطرق في التذكير، والله تعالى صرف فيه التذكيرات تصريفا نافعا، ولا ريب أن الأقطار النائية عنا في مشارق الأرض ومغاربها قد بعث الله إليهم رسلا، ولهم معهم نظير ما للمذكورين من إجابة وردٍّ وإكرام وعقوبة، وما من أمة إلا بعث الله فيهم رسولا، ولكن نفعنا بتذكيرنا بما حولنا، وما نتناقله جيلا بعد جيل، بل نشاهد آثارهم، ونمر بديارهم كل وقت، ونفهم لغاتهم، وطبائعهم أقرب إلى طبائعنا، لا ريب أن نفع هذا عظيم، وأنه أولى من تذكيرنا بأمم لم نسمع لهم بذكر ولا خبر، ولا نعرف لغاتهم، ولا تتصل إلينا أخبارهم بما يطابق ما يخبرنا الله به ; فيؤخذ من هذا أن تذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم، وأنسب لأحوالهم، وأدخل في مداركهم، وأنفع لهم من غيره أولى من التذكيرات بطرق أخرى وإن كانت حقا، لكن الحق يتفاوت، والمذكِّر والمعلِّم إذا سلك هذا الطريق واجتهد في إيصال العلم والخبر إلى الناس بالوسائل التي يفهمونها، ولا ينفرون منها، أو تكون أقرب لإقامة