وهذا اعتراف منهم له بهذه الأمور قبل أن يقول ما قال، فما نزله عن هذه المرتبة عندهم إلا أنه دعاهم إلى عبادة الخالق من عبادة العبيد، وإلى السعادة الأبدية، وما ذنبه إلا أنه خالف آباءهم الضالين، وهم كانوا أضل منهم، ثم أقام لهم بينة عظيمة وبرهانا ونعمة على جميع القبيلة بأسرها، وقال : هذه ناقة الله - التي لا يشبهها شيء من النوق في ذاتها وشرفها ومنافعها لكم - آية على صدقي وعلى سعة رحمة ربكم، فذروها تأكل في أرض الله، على الله رزقها، ولكم نفعها، ترد الماء يوما فترد القبيلة بأسرها على ضرعها، كل يصدر عن ضرعها قد ملأ آنيته، ثم تردون أنتم في اليوم الثاني، فمكثت على هذا ما شاء الله.
وكان في مدينتهم تسعة رهط من شياطينهم قد قاوموا ما جاء به صالح أشد المقاومة، يصدون عن سبيل الله، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، وكان صالح قد حذرهم من عقر الناقة لما رأى من كبرهم وردهم الحق، فأول ما فعل أولئك الملأ الأشرار أن عقدوا مجلسا عاما ليتفقوا على عقر الناقة، فاتفقوا، فانتدب لذلك أشقى القبيلة، ولهذا قال الله تعالى :
﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ [الشمس : ١٢].


الصفحة التالية
Icon