انظر إلى حسن هذا الخطاب الجاذب للقلوب : لم يقل لأبيه : إنك جاهل ؛ لئلا ينفر من الكلام الخشن، بل قال له هذا القول :﴿ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾﴿ يا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾﴿ يا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم : ٥٣ - ٤٥].
فانتقل بدعوته من أسلوب لآخر لعله ينجع فيه أو يفيد، ولكنه مع ذلك قال له أبوه :
﴿ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ [مريم : ٤٦].
هذا وإبراهيم لم يغضب ولم يقابل أباه ببعض ما قال، بل قابل هذه الإساءة الكبرى بالإحسان فقال :
﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾ [مريم : ٤٧].
أي : لا أتكلم معك إلا بكلام طيب لا غلظة فيه ولا خشونة، ومع ذلك فلست بآيس من هدايتك :﴿ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم : ٤٧].
أي : برا رحيما قد عودني لطفه وأجراني على عوائده الجميلة، ولم يزل لدعائي مجيبا.