فلم يزل إبراهيم مع قومه في دعوة وجدال، وقد أفحمهم وكسر جميع حججهم وشُبههم، فأراد ﷺ أن يقاومهم بأعظم الحجج، وأن يصمد لبطشهم وجبروتهم وقدرتهم وقوتهم، غير هائب ولا وجل، فلما خرجوا ذات يوم لعيد من أعيادهم وخرج معهم، فنظر نظرة في النجوم فقال : إني سقيم ؛ لأنه خشي إن تَخَلَّف لغير هذه الوسيلة لم يدرك مطلوبه ؛ لأنه تظاهر بعداوتها والنهي الأكيد عنها وجهاد أهلها، فلما برزوا جميعا إلى الصحراء كرَّ راجعا إلى بيت أصنامهم، فجعلها جذاذا كلها إلا صنما كبيرا أبقى عليه ليلزمهم بالحجة، فلما رجعوا من عيدهم بادروا إلى أصنامهم صبابة ومحبة، فرأوا فيها أفظع منظر رآه أهلها فقالوا :﴿ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ [الأنبياء : ٥٩ و ٦٠].
أي : يعيبها ويذكرها بأوصاف النقص والسوء :
﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء : ٦٠].
فلما تحققوا أنه الذي كسرها :
﴿ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [الأنبياء : ٦١].