ومنها : أن الهم الذي همَّ به يوسف ثم تركه لله ولبرهان الإيمان الذي وضعه الله في قلبه مما يرقّيه إلى الله زلفى ؛ لأن الهم داع من دواعي النفس الأمّارة بالسوء، وهو طبيعة طُبع عليها الآدمي، فإذا حصل الهم بالمعصية ولم يكن عند العبد ما يقاوم ذلك من الإيمان والخوف من الله وقع الذنب، وإن كان العبد مؤمنا كامل الإيمان فإن الهم الطبيعي إذا قابله ذلك الإيمان الصحيح القوي منعه من ترتب أثره، ولو كان الداعي قويا، ولهذا كان يوسف من أعلى هذا النوع، قال تعالى :
﴿ لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ [بدليل قوله :] ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف : ٢٤].
لاستخلاص الله إياه، وقوة إيمانه وإخلاصه، خلّصه الله من الوقوع في الذنب، فكان ممن خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، ومن أعلى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر ﷺ منهم رجلا دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله، فهمّها لما كان لا معارض له استمرت في مراودته، وهمه عارض عرض، ثم زال في الحال ببرهان ربه.