ونعم الله تعالى مع استحالة إحصائها ينحصر أصولها في دنيوي وأخروي والأول قسمان وهبي وكسبي، والوهبي أيضاً قسمان روحاني كنفخ الروح فيه وإمداده بالعقل وما يتبعه من القوى المدركة فإنها مع كونها من قبيل الهدايات نعم جليلة في أنفسها وجسماني كتخليق البدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وسلامة الأعضاء والكسبي تخلية النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق السنية والملكات البهية وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلي المرضية وحصول الجاه والمال. والثاني مغفرة ما فرط منه والرضى عنه وتبوئته في أعلى عليين مع المقربين والمطلوب هو القسم الأخير وما هو ذريعة إلى نيله من القسم الأول اللهم ارزقنا ذلك بفضلك العظيم ورحمتك الواسعة(١). أ هـ
فإن قيل : ما السر في إضافة [الصراط] في قوله تعالى "صراط الذين أنعمت عليهم " إلى الموصول المبهم، دون أن يقول صراط النبيين والمرسلين ؟
أجاب عنه العلامة ابن القيم -رحمه الله- بثلاثة أجوبة : اكتفى منها بالأخير حيث قال -رحمه الله-
إن الآية عامة في جميع طبقات المنعم عليهم، ولو أتى باسم خاص لكان لم يكن فيه سؤال الهداية إلى صراط جميع المنعم عليهم، فكان في الإتيان بالاسم العام من الفائدة أن المسئول الهدى إلى جميع تفاصيل الطريق التي سلكها كل من أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وهذا أجل مطلوب وأعظم مسئول، ولو عرف الداعي قدر هذا السؤال لجعله هجيراً، وقرنه بأنفاسه، فإنه لم يدع شيئاً من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه. ولما كان بهذه المثابة فرضه الله على جميع عباده فرضاً متكرراً في اليوم والليلة، لا يقوم غيره مقامه (٢).
أ هـ
(٢) بدائع الفوائد لابن القيم حـ٢ ص٢٤٩ باختصار يسير