وبيان ذلك أنك إذا قلت ما قام زيد وعمرو، فإنما نفيت القيام عنهما، ولا يلزم من ذلك نفيه عن كل واحد منهما بمفرده.
الفائدة الثالثة : رفع توهم أن الضالين وصف للمغضوب عليهم، وأنهما صنف واحد وصفوا بالغضب والضلال، ودخل العطف بينهما كما يدخل في عطف الصفات بعضها على بعض، نحو قوله تعالى :"قد أفلح المؤمنون (١) الذين هم في صلاتهم خاشعون (٢) والذين هم عن اللغ ومعرضون (٣) " [المؤمنون : ١-٣]... إلى آخرها فإن هذه صفات المؤمنين، ومثل قوله :"سبح اسم ربك الأعلى (١) الذي خلق فسوى (٢) والذي قدر فهدى (٣) [الأعلى : ١-٣]... ونظائره.
فلما دخلت (لا) علم أنهما صنفان متغايران مقصودان بالذكر، وكانت (لا) أولى بهذا المعنى من (غير) لوجوه :
أحدها : أنها أقل حروفاً. الثاني : التفادي من تكرار اللفظ. الثالث : الثقل الحاصل بالنطق بـ (غير) مرتين من غير فصل إلا بكلمة مفردة، ولا ريب أنه ثقيل على اللسان. الرابع : أن (لا) إنما يعطف بها بعد النفي، فالإتيان بها مؤذن بنفس الغضب عن أصحاب الصراط المستقيم، كما نفى عنهم الضلال، و(غير) وإن فهمت هذا فـ (لا) أدخل في النفي منها (١). أ هـ
فإن قيل :
لم أتى في أهل الغضب باسم المفعول، وفي الضالين باسم الفاعل ؟ فجوابهما ظاهر، فإن أهل الغضب من غضب الله عليهم وأصابهم غضبه، فهم مغضوب عليهم، وأما أهل الضلال فإنهم هم الذين ضلوا وآثروا الضلال واكتسبوه، ولهذا استحقوا العقوبة عليه، ولا يليق أن يقال : ولا المضلين مبنياً للمفعول، لما في رائحته من إقامة عذرهم، وأنهم لم يكتسبوا الضلال من أنفسهم بل فعل فيهم (٢). أ هـ
فائدة
(٢) بدائع الفوائد حـ٢ ص٢٦٣ بتصرف يسير